والأستاذ المجذوب في هذا الباب يحاول تقليد الصافي النجفي الشاعر الإنساني الساخر. . وهيهات أن يبلغ ذلك!. . لأن الصافي شاعر دقيق الملاحظة، فياض الإحساس، عاطفي المزاج، إنساني النزعة، يفكر فينفذ إلى الأعماق، ويصدر عن شخصيته القوية التي طبعت شعره بطابع خاص. تلك الشخصية التي كونتها حياة الصافي الخاصة، وظروفه المحيطة به.
أما الأستاذ الشاعر فسخريته مصطنعة، وآراءه غير عميقة؛ فإذا أراد أن يسخر استهزأ بالناس، ولعن القدر والحياة. . كأن السخرية استهزاء بالناس وعبث بالأوضاع.
والهجوم على الناس أصبح (موضة) هذا العصر. . فإذا أراد رجل أن يرفع نفسه، ويسمو متكبرا على حساب الآخرين ذم الناس والدنيا، وكفر بكل شيء. . وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على (مركب نقص). . فالنفس الكبيرة تحترم النفوس وإن كانت صغيرة. وأنا لا أنكر أن في الدنيا شرا كثيرا، وأن أوضاع الناس قائمة على شيء من الظلم والقسوة. . ولكني أود أن لا ننخدع بالمظاهر الكذابة ولا أريد أن نلهو بالفقاقيع. . بل أريد الشاعر أن يختص بالانفعالات النفسية، وبالخلجات القلبية أريد الشعر أن يرتفع إلى أعلى لا ليتحدث عن الصدق والكذب، وعن غرور الناس وضلالهم حديث الحكيم أو الواعظ. . بل أريده تصويرا صادقا للواقع، وعرضا دقيقا للحياة.
والأستاذ المجذوب ينظم باللغة المهلهلة، ولا يفرق بين لغة الشعر ولغة الجرائد اليومية. . والوزن والقافية جنيا عليه جناية كبيرة. . وكثيرا ما يفلت من يديه الوزن فيضطرب. . أما الحشو فكثيرا ما يلجأ إليه الشاعر للمحافظة على الوزن. ومن أمثلة (الزمان النائي، والظلام المبيد، والساحل المنكود). .
والأخطاء اللغوية كثيرة أردت أن أحصيها فمللت. والخلاصة أني تكلمت عن هذا الديوان لأعرض صورة من صور هذه الأزمة الشعرية في أدبنا العربي. . ولا نستطيع أن نظفر في الديوان كله بغير قصيدة واحدة ترتفع إلى منزلة الشعر، وهي (رثاء مستنقع) والحق أنها من أبدع الشعر وأصدقه وأكثره عاطفة وشعورا.