أبيض صفت عليه آنية العشاء، وتوسطته إوزه مشوية يفوح منها بخار له نكهة وطيب، ويملأ جوفها تفاح وبرقوق مجفف. ثم يا للعجب! لقد قفزت الإوزة من الطبق وتهادت على أرض الحجرة ثم أقبلت على الطفلة وفي صدرها شوكة وسكين! ثم انطفأ العود فلم تبصر الفتاة إلا حائطاً رطباً سميكاً بارداً، فأشعلت عوداً ثالثاً فإذا هي جالسة تحت شجرة جميلة من أشجار عيد الميلاد تشتعل على أوراقها آلاف من الشموع، فتغمر بنورها صوراً ملونة جذابة كتلك التي كانت تراها في المكتبات، فمدت الفتاة يديها نحوها فانطفأ العود، وارتفعت أنوار عيد العام، فرأتها الفتاة نجوما في السماء، سقط أحدها فرسم خطاً طويلاً من النار، ففكرت الفتاة الصغيرة: الآن يموت أحد. فكذاك علمتها جدتها العجوز التي درجت إلى القبر وما كان للطفلة غيرها يحبها ويرعاها. وأشعلت الفتاة عوداً رابعاً، فسطع النور مرة أخرى، فتمثلت لها جدتها تشع نوراً وحناناً. فصاحت الطفلة:(جدتاه، خذيني معك، سوف تذهبين إذا ما خبا نور الثقاب، ويزول طيفك الحبيب مثلما ذوت النار الدافئة، والإوزة الشهية، وشجرة عيد الميلاد)، وأقبلت على الثقاب تشعله كيلا تذهب جدتها، فتلهب بنور أسطع من الشمس وضحاها، وتتمثل لها جدتها أبهى مما كانت وأجل. ثم أقبلت الجدة على الطفلة فاحتضنتها، وطارت بها في عالم البهاء والسرور، وحلقت بها في السماوات العلى، وحملتها من الأرض حيث لا برد ولا جوع.
غير أن الطفلة كانت تجلس في ركنها، مستندة إلى الحائط واحمرت وجنتاها، وانفجرت شفتاها عن ابتسامة سعيدة. هناك كانت ترقد أيبسها القر، وقد احترقت علبة من ثقابها، فقال الناس:(لقد أرادت أن تدفئ نفسها) وما علم الناس أي جمال رأت، ولا بأي احتفال حملت إلى السماء ليلة العيد. . .