قلتها وفي قلبي كآبة كبيرة. . . ورأيتها تخرج منديلا من حقيبة يدها راحت تكفكف به الدمع المنحدر من عينيها! وفي لحظة واحدة تبدلت الفتاة الفانية التي كانت أمامي واستحالت إلى فتاة جديدة. . في عينيها توكيد وعزم وقالت.
- ينبغي ألا يعرف!
وتقدمتني إلى الباب وفتحته في هدوء وقد جرت على شفتيها ابتسامة كنت وحدي أدرك كنهها وما تنطوي عليه من اليأس القاتل. . وانتفض الفتى واقفا عندما فتح الباب. . الابتسامة الوضيئة! الابتسامة المريرة. . الابتسامة الشجاعة كانت هي كلمة الأمان التي قالتها له فتاته وإن لم تتكلم.!
ولكنه تقدم مني ملهوفا كأنه يتهم عينيه وقال:
- أهي بعافية يا سيدي؟
وابتسمت له ونياط قلبي تقطع وقلت:
- أنت ترى بعينيك يا ولدي أنها بعافية. . وعلى ما يرام! وشد على يدي في حرارة وقوة وقال في شغف:
- شكراً لك يا سيدي. . شكراً لك.!
وما كادا يغادران العيادة حتى أطللت عليهما من النافذة وفي عيني دمعتان كبيرتان! كانت الفتاة تمضي في الطريق إلى جانب فتاها وهي متأبطة ذراعه في جذل كاذب!. . أية سعادة وهمية تلك التي كانت تعشعش في صدر الفتى.! وأي شقاء كان في صدر الفانية؟
تدبرت هذه المفارقة الفذة وأنا واقف إلى النافذة أتبعهما بصري عندما قفز إلى رأسي هذا السؤال:
لم سألتني عن المدة التي يمكن أن تعيشها؟ أتراها تزعم أن تنعم فتاها بالزواج بها ما تبقى من حياتها وهي قصيرة.! أم تراها تريد أن تتعجل أيامها الباقيات؟. أبدا لم يخل ذهني لحظة واحدة من التفكير في نادية فقد كنت أعلم أنها غادرت عيادتي لتموت. . .