ومهارة. ولقد يبدو موضوع الكتاب غريباً عند من لم يكن له إلمام بالأدب الإنجليزي، والحقيقة أنه نافع لكل مثقف فهو يدرس حركة فكرية، والحركات الفكرية وثيقة الصلة بالحياة، ومن ثم فأنت تقرأ في هذا الكتاب ملخص الحياة الاجتماعية في إنجلترا منذ عام ١٨٣٠، بيد أن الأستاذ المؤلف يغالي في بعض آراءه مغالاة تنتهي بأحكام لا يمكننا أن نمر عليها دون أن نعارض الأستاذ فيها، وخصوصاً لصدورها من أديب نابه كالأستاذ سلامة موسى. فهو ينعت العصر الفيكتوري ما بين ١٨٣٠ و١٩٠٠م بأنه عصر خمول في الأخلاق والأدب، مع انه من أرقى عصور الأدب الإنجليزي وأحفلها بالحركات والاتجاهات الأدبية الجديدة، بلغت فيه المدرسة الرومانتيكية غاية نموها وتطورها، وتعددت فيه مذاهب الكتاب وأتسع الأدب في نواح عديدة كالقصة والشعر والتاريخ وأدب المقالات وغيرها. يتجلى ذلك في شعر الشعراء اللذين افتتحوا هذا العهد ولم تمهلهم المنية كشلي وبيرون وفي شعر غيرهم ممن عاشوا بعدهم كورد ثورث وتنسن، كما يتجلى في قصص سكوت العديدة وقصص شارلز دكينز العظيم وثكري ومن ذهب مذهبهم أو خالفهم من القصصيين، كما يتجلى في كتابات ماكولي وكارلي ورسكن وغير هؤلاء وهؤلاء ممن ارتفعوا بآدابهم إلى درجات المجد، وما التجديد الذي يشير الأستاذ إلى ظهوره في عام ١٩٠٠ إلا ثمرة من ثمار العصر الفكتوري الناهض، وأنك لتلمس أسبابه في حركات ذلك العصر وترى هذه الأسباب واضحة في كتاب الأستاذ نفسه مما يتفق مع وصفه هذا العصر بالجمود. لذلك لا أستطيع أن أشايع الأستاذ في قوله إن الأدب الإنجليزي قد أتجه طول مدة القرن التاسع عشر نحو الصياغة اللفظية دون التفكير و (الاقتحام)، هذا مع احترامي لآراء الأستاذ الفاضل ومزيد إعجابي بطريقته في عرض آرائه وثقافته الواسعة، فهو كما يتجلى وفي كتابه هذا وفي سواه من مؤلفاته العديدة يعتبر بحق مثالاً للأديب العصري المثقف