للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على هذا السؤال الذي كنت أخشى ألا أجيب عنه!!

كان ذلك حين حضر إلى الحديقة (حاو) من هؤلاء الذين يعرضون ألعابهم المسلية لقاء قروش زهيدة يبذلها لهم المتفرجون وارتفع صوته الرتيب المنتظم يعلن عن ألاعيبه!! واستخف صوت مزماره الطروب أعصاب الأخت الصغرى فانفلتت شأن الغزال لتتم الحلقة الملتفة حوله والمصنوعة من الناس!!

ولا أكتمك أنني اعترتني حيرة بالغة! لماذا لم تذهب مع أختها؟ أن الحلقة تضم أخلاطاً من الناس لا تقتصر على الصغار. ولا أكتمك أيضاً أنني ذهبت في تعليل ذلك إلى مذاهب شتى أحلاها جميعاً وأدناها إلى قلبي ذلك التعليل الذي ذهبت فيه إلى أنها آثرت البقاء لأن نظراتي الوالهة قد نالت منها وأثرت فيها!!

وبالرغم من أن الفرصة السانحة قد أقبلت، إلا أنني شعرت بشيء من التردد والخجل. ماذا أقول؟ وكيف أبدأ الحديث؟ أليس من الجائز أن يكون في حياتها إنسان آخر؟ واستحالت تلك الأسئلة إلى قيود ربطت قدمي فلا أتحرك. . . ولكن نظرة واحدة إلى الحاوي الذي أوشكت ألاعيبه أن تفرغ قطعت القيود وجعلتني أجلس إلى جوارها في جرأة لا زلت أحسد نفسي عليها، وقلت لها في صوت هادئ رقيق: هل لك أن تقطعي بعض الوقت في قراءة المجلة؟ وبعد لحظة. . . مدت يدها تجاهي في تردد رهيب. . .

واستطاعت تلك اليد التي أخطأت طريقها إلى المجلة، واستطاعت تلك الشفاه التي راحت ترتعد في كمد وحسرة، واستطاعت هاتان العينان اللتان راحتا تسدلان عليهما ستارا من الدموع (. . استطاع أولئك كله أن يهتف بحروف خرساء: إنها عمياء!

محمد أبو المعاطي أبو النجا

<<  <  ج:
ص:  >  >>