للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قدر له إذ ذاك أن يراها؛ أما أنا فقد كان يخيل إلى أن هناك صفاً من الملائكة يحرس تلك الهاربة من الجنة!!

كانت تلبس (فستانا) أبيض. . . كأنما أهداه إليها الصباح وكانت تضع؛ على عينيها نظارة من نظارات الشمس وكانت أشبه ما تكون بالزوج الغيور الذي يحبس زوجته الفاتنة وراء جدران بيته. . وكانت كل أماني إذ ذاك تنحصر في شيء واحد هو أن يحدث أمر غير عادي يجعلها تنزع منظارها لتراه. . . ولكن - الأمر غير العادي لم يحدث - فبقيت نظراتي الوالهة تتلمس في رفق شعرها الأشقر الجميل كأنما تبحث فيه عن شمس غاربة!

وكان ثغرها الدقيق الحلو يؤكد ببسماته الساذجة الصافية أن ملاكا من ملائكة الفردوس يسكن قلب هذه الحسناء! بالله يا صديقي لا تضحك مني حين تعلم أنني بدأت أسر خلف مقعديها جيئة وذهابا وأنا أتظاهر بقراءة المجلة لا لشيء إلا لأسمع حديثها الجميل. . .

أتدرك يا صديقي فيم كان هذا الحديث؟ لم يكن عن الأزهار التي نتمايل نشواي في حانة الطبيعة، ولا عن الأطفال التي تتناغي فرحة في أرض البستان. . . إنما كان عن مسرحية لكاتب (نرويجي) اسمها (بيت الدمي) كنت قد قرأتها وأعجبت بما فيها من لمحات إنسانية مشرقة كان يدور حولها حديثها الجميل!

تصور يا صديقي أنني كدت أطير من الفرح حين سمعت ذلك الحديث. . . أنا الإنسان الذي عاش ضارباً بينه وبين المرأة نطاقا من الجفاء وخلف قلبه في مصير الأشواق ينشد تراتيل الحرمان!!

ذلك لأنه لم يكن يؤمن بوجودها تلك المرأة التي تحترم خفقاته حين يرقص في ساحة السعادة، وتقدس أناته حين يبكي في مأتم العاطفة!!

تلك المرأة التي تتحدث في شيء آخر عير الأزياء، وتعجب بشيء آخر غير المساحيق وتحرص على شيء آخر غير اللهو. . .!

آه يا صديقي لا أريد أن أطيل عليك فأنت أعرف الناس بقلبي وبأحلامه. يكفي أن تعلم أنني بدأت أفكر بسرعة كيف أتحدث إليها. . .

وكان الشيء الأول في هذا السبيل هو أن تنتقل تلك الأخت الصغرى من مكانها. . . أن تذهب إلى أي مكان آخر! ولكن كيف ذلك. . . وهنا يا صديقي تدخلت الظروف لتجيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>