قال:(نعم). فقلت:(تعال معي فهو الآن عند السفير الفرنسي)
وكان كلامي بلهجة تأكيد لم يتردد الرسول في تصديقها. وركب معي في عربة الحوذي الذي اتفقت معه. ولكن السائق جرى بنا في الطريق الذي أرشدته إليه وهو يختلف عن الطريق المؤدي إلى السفارة. فصاح الراكب معي بالحوذي أن يقف وقال إن في الأمر حيلة. ومنعته فاستغاث فكتمت أنفاسه فجلس هادئاً وأردت أن أطمئنه فقلت:(أني رجل شريف مثله، وان الأمر مراهنة فقط).
قال:(مراهنة! ألا تعلم أني أؤدي عمل الحكومة؟ أن عملك يستوجب العقاب)
فقلت:(هذا هو موضوع المراهنة)
قال:(إذاً فأنت مجنون)
عند ذلك نظرت إلى ساعتي فوجدت موعد التوقيع قد فات ولم أجد ضرورة للاستمرار في الخطة، فأوقفت العربة ونزلت راكضاً تاركاً من فيها تحت رحمة الحوذي. وركبت عربة أخرى إلى دار السفارة. ومن منعطف في الطريق راقبت ذلك الرسول يقبل نحوها. وبعد دقائق نزل المسيو أوتو فرحاً مستبشراً وقال لي أنه تم توقيع المعاهدة. ولكن بعد التوقيع وصلت رسالة إلى الوزير الإنكليزي بأن الفرنسيين أخلوا مصر. فقال ذلك الوزير أنه لو تقدمت الرسالة دقيقة لما أمكن توقيع المعاهدة، ولكن أمرها خرج من يده.
فهنأت السفير بانتصاره، وعدت وفكرت في أن مصادفات صغيرة كتأخير الخبر لحظة أو تقديمه لحظة يكون لها تأثير في مصائر الدول وأحوال السياسة العالمية. فآمنت بالقضاء والقدر ولم أعد أسخر من اعتقاد الشرقيين بهما. وعكفت بعد ذلك بأيمان صادق على استئناف ترجمة القران وسائر الكتب الإسلامية.