قال: الرجل (إن كل من في الحياة يحمل قسطه من المتاعب والأحزان، وفي كل دار عدوها؛ فالفاقة والرذيلة والسقوط كل أولئك أعداء؛ أما دارنا ففيها عدو من نوع آخر هو. . هو أنا، هذا ما أعرفه وأوقن به، وليس لي من العزم ما أستطيع أن أخرج عن طبعي هذا. . . عن قسوتي وغلظتي، ولا أريد أن ابذر في أبنائي غراس العداوة والبغضاء لي، لهذا. . . لهذا فأنا لا أستطيع أن ارجع إلى داري. . . لن أرجع. . . لن أرجع حتى أبرأ)
وبدا ليعني المرأة مراد زوجها، ووضح لها ما يريد؛ فقالت في عطف وشفقة:(سأبعث إليك بفرنسسكو أو سالفيتي فهو فصيح اللسان قوي الحجة)
وراحت تودعه في حرارة وشوق وقد اشرق في نفسها تاريخ السعادة الأولى حين شبا حبيبين، وهي تقول: (وسأرسل فرنسسكو يا بيترو، فهو رحيم، وهو يحبك؛ يحبك على رغم كل شيء لأنك أبوه (ثم صعدت إلى القطار.
ورجع الزوج يتثاقل كأنما يحمل على ظهره حملا ثقيلا، وتراءى له ابنه الأكبر في الخيال يستعطفه ويرجوه ويجثو عند قدميه يبكي ويبكي. . . فيصغي هو، فيلين، فيلبي. . . ثم يرجع ويرجع معه العدة الذي فيه، فتضطرب الدار ويفزع الأبناء. أين الخلاص؟ وبدا له الخلاص وهو يسير على حافة هوة عميقة، في خطوة. . . خطوة واحدة يتقدمها في ثبات وعزم، فأغمض عينيه وسار. . .
وخرج فرنسسكو ليعود بأبيه فما عاد إلا بقصاصة ورق تحمل إليه النبأ المفزع. . . موت أبيه