وكان الشعب يلمح بفراسته الساذجة الصادقة على محيا السلطان الجديد، جملة من المعاني المتشادة المتمازجة، فيها الشعور وفيها الإشفاق من المستقبل وما يخبئ من مفاجآت في طياته. وفيها عزيمة حادة جادة وتصميم على المجاهدة والمجالدة، والعمل على رفاهة مصر وشعبها، وإعلاء شأنها عند غيرها من الأمم، والمحافظة على نفوذها الأدبي والسياسي، كل ذلك تغشيه موجة من الفرح العابر، لا تكاد تستر من معالمه شيئا، ولا تخفى من آياته قليلا.
كان أفراد من المشاهدين يرقبون هذه المظاهر، ويلمحون هذه المعاني، فيفاجئ بعضهم بعضا بما يفطن إليه منها. ثم انثنوا بين مثن وناقد. على أن الحوادث كانت تمر بهم ولا أثر لهم في مسلكها، بيد أنها لا تتركهم إلا بمرارة لاذعة تتوطن النفوس وتقتعد غوارب القلوب، وهم لا يملكون لوقعها تخفيفا.
استقر ركب السلطان الغوري بالقلعة، فجلس على سرير الملك، وقبل الأمراء الأرض بين يديه. فأفاض عليهم خلعه ومنحه، من أقمشة نفيسة وأردية غالية، ومناصب سامية. وكلما أفاض على أحدهم شيئا، جأر له بالدعاء. وانصرف حامدا إلى داره في موكب حافل.
تتابعت على هذا النسق مواكب الخليفة والأمراء. وكانت مجالا لمسرة الناس وابتهاجهم. ونودي للسلطان في أرجاء القاهرة، فأقامت المدينة بقية نهارها وعامة ليلها في مرح ساهر وزينة حافلة. وكأن اليوم فيه عيدان لا عيد واحد.