اختفائه؛ لكانت السلطنة من نصيبه ولولا فساد قلوب الجند على الأتابكي ثاني بك الجمالي، لظفر بها أمس وتمت بيعته. . .
ألا قبح الله الملك العادل السفاك! من غريب ما يروى عنه أن المنجمين أخبروه أن السلطنة يسلبها منه أمير يبدأ اسمه بحرف (ق) فظنه صديقه (قصروه) فبطش به وقتله ظلما، بعد أن أبلى قصروه البلاد الحسن في معاونته على الحصول إلى السلطنة. . ولم يحسب العادل حسابا لقاف أخرى تبدو في الأفق. ولله! ما أكثر القافات في بلدنا. .!
انقطع الجدل بين الصديقين على إثر موجة جارفة من الضجيج تنتشر باقتراب موكب السلطان.
بدت طلائع الموكب. وكان الأمراء منذ قليل يشتورون في الحراقة بباب السلسلة بالقلعة. فتم رأيهم على اختيار الأمير قانصوه الغوري سلطانا على البلاد بعد فرار الملك العادل وإعلان خلعه.
ولقد تعصب للغوري الأميران: قيت الرجبي، ومصرباي. فبكى الغوري وأبى قبول السلطنة معتذرا بكبر سنه. فاستلانوه إليها بشتى وسائل خداعهم، حتى رضى بها مشفقا منها. وقد أتموا له البيعة، فبايعه الخليفة ووكل إليه - كالمعتاد - أمور السلطنة ثم بايعه القضاة. ولقب بالملك الأشرف. فذاع لقبه بين الجموع الحاشدة، وهيئوا ركبه ليسير من الحراقة إلى باب السر بالقصر الكبير، حيث يقدم له الأمراء واجب الطاعة والولاء.
لبس الغوري شعار السلطنة - ملابسها الرسمية - وهي جبة وعمامة سوداء. وامتطى صهوة فرس مسرج بالذهب. وأخذ في المسير تتقدمه شراذم من الجند في أزيائهم الرسمية وأسلحتهم المجلوة، وتقدم الأمير قيت الرجبي، وحمل بنفسه شعارا آخر للسلطنة، تبجيلا للسلطان وتعظيما لشأنه. ويتألف هذا الشعار من قبة من حرير ثمين تنشر فوق رأس السلطان وقت المسير، كأنها مظلة. وفوقها طائر من الذهب. وركب إلى يمين السلطان، خليفة العصر، وهو المستمسك بالله يعقوب العباسي، وبين يديهم الأمراء يسيرون بشاشهم وقماشهم - أزيائهم الرسمية - في ألوان زاهية وفوق جياد محلاة.
وبدت طلعة السلطان لشعبه، فدوى صوته هاتفا (نصر الله السلطان الأشرف)، (أعز الله الإسلام) وانطلقت من خلف الكوى وصوب الطيقان زغاريد النسوة تشق أطباق الفضاء،