أما ما تنشدق به من مساجد ودور تعليم فحسبي أن أقول لك إنهم يبذلون في سبيل ذلك، على أنه منحة منهم للشعب وصدقة عليه، لا على أنه حق للشعب قبلهم يؤدونه إليه. . .
ألا دعنا من هرائك وسفسطتك! وقل لي كم رجلا في بلادنا يغار عليها غيرتك، ويخلص لها مثل إخلاصك؟ وكم فتى من فتيانها يحدب عليها كل هذا الحدب، وتتقطع نفسه عليها أسى، وتذهب حسرات، كما تتقطع نفسك وتذهب؟ وكم قلب بين قلوب بنيها يفيض عليها إشفاقا كما يفيض قلبك؟
لشد ما أتألم لأجلك. . لما لك من إحساس مرهف ونفس شاعرة!
اترك المستقبل لأهله، فليس علينا حمل أعبائه وهمومه. وحسبنا ما نحن فيه من حاضر فعم بحوادثه وآلامه. . . ولنخفف عن النفس أحزانها بما نراه من بهجة وزينة. . . انس ما في طواياك من هم. ولمسرح ببصرك في محاسن هذا اليوم، واقبس ما تشاء وتشتهي من مفاتنه. ثم إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. .
انظر إلى أثواب الجند الزاهية الألاقة، وإلى وجوه الناس الباسمة المشرقة، وإلى الحسان الفاتنات يرحن ويغدون في حللهن الأنيقة البراقة. وإلى الأطفال الذاهلين من عيد الفطر، فقد غمرهم عيد التولية بموجة من موجات فرحه، ألا تخبرني من سيكون السلطان؟ ومن سينال شرف السلطنة اليوم؟.
واألماه! تدعوني إلى أن أنسى المستقبل، ولا أفكر فيه. . ألا تعلم أن الدعوة إلى إهمال المستقبل وترك الاهتمام بمصير البلاد هي الأنشودة البائسة الحزينة، التي ترتلها الأمة المنكوبة الخائرة كلما أحست بضعفها. . وأرادت أن تتلهى عنه وتخدع نفسها. . لو اهتم بأمرنا من سبقنا من الآباء والأجداد لاعتدلت لنا ريح حاضرنا ونعمنا فيه بشيء من صفو الحياة. وما دام كل جيل يسلم إلى الأقدار مستقبل بلاده، ويهمله، فستتلقفه الأحداث والغير، وتلقيه بين يدي مستبد، وإلى كف طاغية، وتتنقل به من بؤس، إلى بؤس، حتى تتقلب أجيالا في شقاء الحرمان أمدا طويلا. . .
أما سلطان اليوم فأظنه قانصوه الغوري - كما تردد الألسنة - لقد رشحه للسلطنة، كما ذكرت لك، كبر سنه، وطي نفسه وعيوفه عن السلطنة. . . وهذه وسيلة باعة من وسائل اقتناصها. . . قد قيل إنه رفضها وأباها. ولو ظهر أمس الأتابكي قانصوه خمسمائة، من