خدماتهم. ولكنهم إزاء ذلك أراحونا من شر القتال، وأخذوا على عاتقهم حمايتنا من شرور الأعداء.
ثم ما بالك تذكر سيئات أشرارهم وهنات صغارهم، وتنسى حسنات أخيارهم، ومحامد كبارهم؟ إن كثيرا من سلاطينهم وأمرائهم ينقادون للدين، وينطوون تحت أحكامه، ويعظمون أهله، وينشئون المساجد للعبادة، والمدارس للتعليم، ويدرون أخلاف الخير وضروع البر على المحتاجين من طلاب العلم وغيرهم. وذلك كله جدير بأن يطلق الألسنة لهم بالدعاء والثناء.
- إنك يا صاح انحدرت من حديث الرجال إلى أسلوب النساء. . .! ففي معانيك الضعف والضعة، وفي أفكارك الخور والجبن! حسبك عارا أنك تذكر حمايتهم لك من الأعداء. . . وفي الحق أنهم يحمون أنفسهم لا يحمونك أنت، ويدفعون عن ملكهم لا يدفعون عنك أنت. ولننزل على منطقك ونقول إنهم يحمونك. . . ولكن أتدري كيف ذلك، ولماذا؟. إنهم يحمونك كما يحمي الراعي بقرته خوفا على لبنها أن يتضب، وحرصا على جسدها أن يخور ويبلى. وهم قبل ذلك وبعد ذلك، سادتك! لا تقعد منهم إلا مقعد العبد. . . فهل بعد ذلك ذلة للرجال؟ اطلب إليهم أن يتركوا لك حماية نفسك بنفسك. فهل تراهم يجيبونك إلى سؤالك؟ ويجيزون لك أن تحمل السلاح وأن تنخرط في الجيش؟. كلا! وكأنما الجندية هبة اختصهم الله بها دون سائر أفراد الشعب وكأنما الروح العسكرية الحمية الوطنية وقف عليهم، وصفة ما خلقت إلا فيهم، ونزعة ما عرفت إلا لهم. أما أنت وأمثالك فلا تصلحون - في نظرهم - للكر، وإنما تصلحون للحلاب والصر. . . لقد حرمونا دخول الجيش، وحرموه علينا، ولم يتصلوا بنا إلا اتصال السيد بالمسود. وكفى بذلك هوانا. . . فأية عزة ترقبها لبلادك على يد هؤلاء الغرباء المماليك المستبدين الذين لم تجمعهم بالبلاد جامعة جنس ولا نسب ولا لغة ولا ألفة ولا عطف. . ثم هم لا يجمع بعضهم ببعض إلا أخوة في رق، أو اتفاق في ضغينة، أو ائتلاف في فتنة، أو التماس لمكيدة، أو ائتمار على غدر. . . أغلب ظني أن ما بناه أسلافهم من عز وسؤدد، سيهدمه هؤلاء الجلبان وهؤلاء القرانصة، ومن لف لفهم من هذا الخليط الدنس من أوشاب الأمم الذي تعج به بلادنا المنكودة. ألا تبالهم وقبحا وسحقا.!