وقال المؤرخ العميد عن عمر بن عبد العزيز نظرية جديدة وكتاب وحده، لأنه أثبت له شخصية المصلح. وقد يعرف الناس جميعاً وخاصة المسلمين أن عمر كان خامس الراشدين، وأن المؤرخين القدماء جمعوا مناقبه. فأي جدة فيما يقول الأستاذ العبادي؟ الجدة في تدعيم ما جاء في كتب المناقب بالأدلة التاريخية المبينة على التحقيق العلمي السليم. وشتان بين أقوال أصحاب المناقب وجماع الروايات وبين تحقيقات المؤرخين المحدثين المؤسسة على المنهج العلمي الحديث. فإذا أردنا تصوير هذا الفارق طالعتنا شخصية الرشيد كما تبدو في القصص التاريخي وشخصيته التاريخية الحقة؛ وشخصية الحاكم الخليفة الفاطمي بين القصص والتاريخ، وشخصيات أخرى كثيرة تنازعها الخيال الشعبي وخيال القصاص وتصوير المؤرخين.
ولم يقتصر المؤرخ العميد على تصوير الخلفاء، وإنما تجاوزهم إلى الولاة والقواد. فكتب مثلا عن زياد صاحب الخطبة البتراء التي تغني عن النسب، وأخ معاوية بالمؤاخاة، وعامل الإمام علي من قبل وصاحب ابنه الحسين من بعده. فهو شخصية تحتاج إلى بحث محكم لما تثير في النفس من معان متضادة، فيتلطف الأستاذ ثم يتلطف، ويهدأ ثم يهدأ، فإذا هو يخرج صورة لزياد تاريخية، فيها ما فيها من شر، وفيها ما فيها من خير. وكذلك كتب الأستاذ مثلا عن محمد بن القاسم الثقفي فاتح الهند، فجعله رمزاً للمجاهدين.
وهكذا لا تكاد تقرأ مقالة إلا وجدتها تخطيطاً تاريخياً متيناً، وبحثاً عميقاً، ونظراً مبتكراً، يثير في نفسك خلجات شتى ويترك لك مجال تفكير وتعليق. وذلك أن الصور التي يسوقها العبادي تفيض خصباً وحياة قوية نابضة.
والمؤلف قبل كل شيء أستاذ أجيال من المؤرخين مد الله في عمره