والإيمان الصادق، والعبقرية التامة). فالكتاب حي الأسلوب صادر عن نفس يهزها الأمل في المستقبل، فتنقل إلى القارئ ما تحس في صدق وصراحة وتردد أحياناً، كما ترى في هذه العبارة: ترى هل أما الله الأمم الإسلامية، أو ألقى عليها نوماً ثقيلا حقبة من الدهر، ثم تأذن بحياتها عندما غيرت ما بأنفسها من صفات الشر، وأنشأت تتحلى بصفات الخير؟ أكبر ما نأمل أن يكون الأمر كذلك). . .
فإذا أمتعت النفس بهذه الخلجات التاريخية الممتزجة بالوطنية في توثب وحماسة فارجع إلى دراساته التاريخية البحتة التي تزيد على العشرين. وانظر كيف يصور العصر العربي الأول قبيل الدعوة وبعيدها، فيبرز لك تقاليده في الشورى، وحرصه على المساواة والبساطة في الدعوة للحق ودين الإسلام، ثم يعود المؤرخ فيحمل إليك صوت الخلفاء مرتفعاً بالدعوة إلى الإصلاح بعد أن امتد الزمن، وعدا على كل شيء، وابتدأ قرن جديد
أما الشورى فقد صورها في دراستين: إحداهما عن دار الندوة، والأخرى عنوانها (كيف كان النبي يسوس أصحابه) أما المساواة فقد مثل لها بشخصية عمر بن الخطاب، وهي ناحية أهملها الكتاب على كثرة ما كتبوا عن ابن الخطاب، وهي ناحية أهملها الكتاب على كثرة ما كتبوا عن ابن الخطاب. وقد تمثل المؤرخ الإسلامي الجليل بأسلوبه العلمي الفني المساواة في شخصية أبي ذر الغفاري، وهو الصحابي الذي أرسل من منفاه بالصحراء صوتاً من الحق لا يزال يدوي في آذان الأجيال جيلا بعد جيل، ولا يزال المصلحون يرددون أصداءه في بقاع الأرض المتحضرة أما الدعوة أيام النبي فقد صوَّر مؤرخنا المصري مهدها في ورع صادق وخشوع جليل، فصور لنا كيف بدأت الدعوة إيماناً راسخاً في دار بسيطة، هي دار الأرقم المخزومي ثم يدور الزمان وتجري المقادير بما شاء الله ويتم للإسلام السلطان على ملك واسع ويقبل على الإسلام أقوام من كل صنف فتحتاج الأمور إلى دعوة جديدة للاصلاح، وتتطلع الأبصار إلى مصلح يعيد البساطة الأولى ويرد صالح التقاليد. فكان عمر بن عبد العزيز ذلك المصلح الذي أعاد بساطة دار الأرقم، وأقام خلافته على أصلح التقاليد القديمة. وكان مبدؤه في ذلك أن سبيل الإصلاح واحدة في أساسها رغم اختلاف الأجيال والعصور والبيئات، ولله در العرب حين قالوا (إن الأمور إنما تصلح بما صلحت به أوائلها)