مبارك الذي كان بصحبتي في قطار البحر عائدين من الإسكندرية:
وداعا للرمال وللمغاني ... وداعاً للملاحة يا صديقي
أتذكر كيف كان الموج يجري ... كما يجري الشقيق إلى الشقيق؟
وقفنا في جوار اليم سكرى ... ككر الناظرين إلى الرحيق
نرى في البر ألوان التناجي ... وفي البحر المشارف والعميق
كأن الحسن ذاب بكل لون ... نراه، وفي المياه وفي الطريق!
سكرناه سكرة الحمرمان حتى ... كلانا كالأسير وكالطليق
وهذا الجو يملؤه حنان ... ولو أن الغروب من الحريق
وأبنا أوبة المهزوم، لكن ... بنا طرب من الأدب الحقيقي!
فهذه القصيدة التي أعجب بها أستاذنا مطران إعجاباً عظيماً لم تستحق من ناقدنا الفاضل غير السخرية المبهمة التي إن لم تكن سخرية المغرض فهي سخرية المتسرع الذي يهرع إلى قلمه قبل أن يتمثل الموضوع الشعري ويستوعبه الاستيعاب الواجب.
بيد أني مستعد للإيمان بحسن طوية الكاتب الفاضل، وأؤكد له أن نصائحه هي في صميم نفسي، ومع ذلك فمرحباً بنصائحه وبغيرته على اللغة! فهل له بعد هذا أن يأخذ نصيحة متواضعة مني مشفوعة برجاء: تلك أن يدرس الطاقة الشعرية عند الشعراء المختلفين فسوف يجدها متباينة، وأن طبيعة الإجادة الفنية لا شأن لها بإنتاج، بل ربما رهفتها كثرته، وأن الشاعر الملتوي الأسلوب الضعيف البيان السقيم الذوق لا يجديه إكثار ولا إقلال. . . وهو وغيره أحرار بعد ذلك في وضعي في المكان الذي يرضي نفوسهم، وأما رجائي فمحصور في مبدأ أدبي عام يؤمن معه العثار النقدي ويمثله هذا البيت:
كن أنت نفسي واقترن بعواطفي ... تجد المعيب لدى غير معيب