صيدليته أتلمس فيها قليلاً من مسحوق وضعته في كوبته حين كان مشغولاً عنها. وإذ ذاك رفعها إلى فمه وتجرّعها دفعة واحدة، ثم صوّب إلى نظرة اخترقت شغاف قلبي وقال: الآن سأذهب إلى حيث لا عودة لي أو مآب.
ولما صمتت الموسيقى للراحة، مضيت إلى غرفتي وارتديت ثياب عرسي الحريرية الموشاة بالذهب، وأخذت جواهري كلها ووضعت شارة العرس الحمراء على مفرقي، ومن ثم هيأت فراشي تحت شجرة في الحديقة.
وكانت ليلة جميلة ناعمة، ورياح الشمال الهادئة تقبّل ما تمر عليه فتحمل الطمأنينة إلى القلوب، وقد فاح في أرجاء الحديقة عطر الياسمين الشذى، وبينما الموسيقى آخذة في الهدوء شيئاً فشيئاً، كان وجه القمر يلتحف حجب السحاب المغبر القاتم، وبدأت أغيب عن الدنيا رويداً رويدا، وأفقد شعوري، وأغلقت عيني مبتسمة، وتذكرت مجيء الناس ومشاهدتهم إياي هنا، ولكن وا أسفاه على الملابس الحريرية المذهبة؛ وحين استيقظت على صوت لغط حولي، ألفيت ثلاثة شبان يدرسون علم العظام على هيكلي، فجاشت في نفسي الآلام وأخذت زهرات الشباب تتفتح عن أكمامها، وإذا بالأستاذ يشير بعصاه إلى عظامي مسمياً إياها بأسمائها العلمية، ولكن أترى أثراً لهذه الابتسامة الأخيرة، وهل أعجبتك القصة؟ فقلت يالها من قصة رائعة!
وفي هذه اللحظة زنت أول صيحة وقلت:(أأنت هنا؟) فلم يجيبني سوى الصدى، وحينذاك كانت أشعة الصباح قد نفذت إلى الحجرة.