للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للمرضى، وكنت أتسلى بسؤالي إياه عن الأدوية والسموم والمقدار الذي يميت من هذا الدواء أو ذاك، ولكن هذه الأحاديث أخذت طوراً آخر، فقد جعلتني أتأمل في فكرة الموت، وكان الحب والموت شاغلي تفكيري وحياتي

مضى على ذلك ردح من الزمن، لاحظت فيه على الطبيب تشتت الذاكرة، وخيل إلي أنه يحتفظ في صدره بسر يخجل أن يحدثني عنه، وفي ذات ليلة جاء مرتدياً كثيراً من الملابس واستعار مركبة أخي، وهنا ثارت الدهشة في نفسي، ومضيت استفسره عن كل شيء، وبعد أن تجاذبت معه الحديث سألته: ألك أن تخبرني يا (دادا) عن وجهة الطبيب هذه الليلة وقد استعار مركبتك؟. . . . فأجابني أخي في صوت أجش (إلى الموت) فصحت به (أخبرني حقيقة أين هو ذاهب). . فقال في شيء من الصراحة (مضى ليتزوج) فتعالت ضحكاتي طويلاً وقلت: أحقاً ما تقول؟

وعرفت حينذاك أن العروس وريثة ثرّية، ستنفح الطبيب مبلغاً كبيراً من المال، ولكن لماذا كان يخدعني طيلة الوقت بإخفائه ذلك عني، وهل توسلت إليه ألا يتزوج حتى لا يحطم قلبي؟ ولكن تلك سجية الرجال طبعوا عليها فتصديقهم ضرب من البلاهة، لقد عرفت في حياتي كلها رجلاً واحداً، ولكنه سرعان ما اختفى وتفقدته فلم أجده.

وبعد أن أتم الطبيب عمله وعاد الينا، وتهيأ للعمل سألته ضاحكة: لقد أحسنت يا دكتور، أعزمت على الزواج هذه الليلة؟ ولم يُفقده سروري ابتسامة محياه فحسب، بل أثاره ذلك فسألته: (ولمَ لم توقد الثريات ولم تعزف الموسيقى؟)

فأجابني في تنهد: (وهل تحسبين في الزواج سعادة أو لذة؟)

فانفجرت ضاحكة وقلت: لا، لا، لن يكون ذلك، وهل هناك عرس لم توقد فيه المصابيح ولم تعزف الموسيقى؟

وظللت أزعج أخي حتى أصدر أمره بإحضار جماعة الموسيقى، وكنت أبتسم طيلة الوقت، وأتحدث عن العروس وحياتها، وما سأفعله حين تأتي المنزل. وسألته: خبرني يا دكتور هل ستظل تجس النبض؟ ثم انفجرت ضاحكة؛ وتم عقد الزواج في ساعة متأخرة من الليل، وقبل ابتدائه كان أخي والطبيب قد جلسا إلى خوان صغير يشربان كأساً من الخمر، ولما هتك القمر أسداف الظلام، سألت الطبيب: (أنسيت عروسك وقد حان الوقت؟) ومضيت إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>