فقال الصوت:(تمهل قليلاً، وأنصت للقصة كاملة، ففي يوم ممطر، أصابتني الحمى، وجاء الطبيب يعودني، وكانت هذه أول مرة ألقاه فيها، وكنت أتكئ على حافة النافذة حتى تصبغ حمرة الشفق المودع وجنتي، وحين جاء الطبيب تأمل في وجهي ملياً فقلدته، وتأملت في نفسي فخيل إلى أن وجهي وردة حمراء، قد ألقيت على وسادة بيضاء، فسأل الطبيب أخي أن يجس النبض، ولم أر طبيباً أجبن منه، حتى أن أصابعه كانت تضطرب ولا تستقر حين أقبل يتلمس معصمي، وفي النهاية سجل حرارة الحمى التي انتابتني، أما أنا فقد قدرت خفقان قلبه، أعندك شك في ذلك؟)
فقلت:(كلا. كلا، إن خفقات الفؤاد لتحكي قصته!!)
فقال الصوت:(بعد أن أبللت من مرضي المنهك، ألفيت كل أحبابي قد رغبوا عني، وأخيراً أصبح الطبيب يعود مريضاً فحسب، وكنت في هذه الأمسيات أرتدي ثوباً أبيض، وقد تدلت عليه ضفائر شعري المحلاة بزهور الياسمين الأبيض، ومن ثم أتخذ مقعدي المعتاد تحت أفنان الأشجار ومرآتي في يدي، وربما تظن أن رؤية الشخص لصورته وجماله في المرآة تجعله ملولاً. ولكن الواقع غير ذلك، لأني لم أكن أرى نفسي بعيني رأسي، لقد كنت شخصين في جسد واحد، فكنت أنظر لنفسي بعين الطبيب، وشعرت بجنون الحب، ولكن برغم هذا الدلال الذي أسرفت فيه قد كانت آهة حبيسة تتردد في صدري وتئن كما تئن رياح الليل، ولم أكن في ذلك الحين وحيدة، بل كنت حين أسير أتطلع بعين كئيبة إلى أصابع قدمي وأعجب ماذا تكون حالة الطبيب لو أنه شاهدني الآن، أما في الظهيرة، حين تتوسط ذكاء كبد السماء، ولا يسمع صوت هنا أو هناك إلا صيحة حدأة لا تلبث أن تتلاشى، فقد كان يمر خلف سور حديقتنا بائع الصقور ينادي (صقور زجاجية للبيع) وحينذاك أبسط على العشب خرقة بيضاء أجلس عليها وأعتمد رأسي بكفي، ويدي الأخرى تعبث بالحشائش، وكنت أتخيل أن هناك من يرقبني في مجلسي هذا ويعجب بي، ويود لو أنه طبع قبلة على أطراف أصابعي الوردية. . ولكن كيف أتم لك قصتي، وفي استطاعتي أن أسامرك حتى الصباح ولكن ذلك يبغضها لك. . . . إذن دعني أظل في قصتي، أما الطبيب فحين مارس صناعته جيداً استأجر غرفة في الدور الأرضي بمنزلنا وجعلها عيادة