للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتولاه قوم من المسلمين، ويقيمون فيه شعائر الإسلام: من الآذان والصلاة. ويقول باركر في كتابه الحروب الصليبية (ص٧٩): (أن الإمبراطور ظفر بهذه المعاهدة بحسن استخدامه لقواه السياسية وباستغلال لما رآه من نزاع بين الملك الكامل ومنافسيه في سوريا)

أغضبت هذه المعاهدة المسلمين واستعظموها، ووجدوا لها من الوهن والألم ما لا يمكن وصفه، واشتد تشنيع الملك الناصر داود بدمشق على عمه الملك الكامل، ونفرت قلوب الرعية وقد رأوا الفرنج يتسلمون بيت المقدس في أول ربيع الآخر سنة ٦٢٦ وجلس الحافظ سبط بن الجوزي بجامع دمشق، وذكر فضائل بيت المقدس، وحزن الناس لاستيلاء الفرنج عليه، وشنع على هذا العمل فاجتمع في ذلك المجلس ما لا يحصي عدده من الناس وهم في ثورة عنيفة وانشد الحافظ قصيدة أبياتها ثلاثمائة بيت منها.

على قبة المعراج والصخرة التي ... تفاخرها ما في الأرض من صخرات

مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات

واضطر الملك الكامل إلى أن ترسل رسولا إلى البلاد والى الخليفة لتسكين الناس وتطمين خواطرهم من انزعاجهم لأخذ الفرنج القدس، بل لقد اضطر الملك الكامل نفسه إلى إن يقنع نفسه بأنه لم يأت أمرا إدَّا، فكان يقول: إنا لم نسمح للفرنج إلا بكنائس وأديرة خراب، والمسجد على حاله، وشعار الإسلام قائم، ووالي المسلمين متحكم في الأموال والضياع. ولكن ذلك لم يقنع أحدا من المسلمين، ولعله لم يقنع الكامل نفسه.

وقد انتهز الفرنج ما حدث من الخلاف بعد موت الملك الكامل فعمروا في القدس قلعة وجعلوا برج داود أحد أبراجها، وكان قد ترك لما خرب المعظم أسوار القدس فمضى الناصر داود وقد علم بما أحدثه الفرنج، وحاصر القدس واستولى عليه عنوة في جمادى الأولى سنة ٦٣٧ وفي ذلك يقول ابن مطروح:

إذا غدا بالكف مستوطناً ... أن يبعث الله له ناصراً

فناصر طهره أولا ... وناصر طهره آخرا

يريد بالناصر الأول صلاح الدين، ومنذ ذلك التاريخ وبيت المقدس بيد المسلمين.

أحمد أحمد بدوي

مدرس بكلية دار العلوم بجامعة فؤاد الأول

<<  <  ج:
ص:  >  >>