قوى الصليبيون بأسطول وإمداد جديدة حتى وجدوا في أنفسهم الشجاعة للنزول على دمياط في صفر سنة ٦١٥، ولما سقطت المدينة في أيديهم خاف المعظم عيسى أن يسقط بيت المقدس في أيديهم فمضى إليه وخربه، وخرج معظم من كان بالقدس من الناس، ووقع في البلد ضجة عظيمة، وخرجت النساء والبنات والشيوخ وغيرهم إلى الصخرة والأقصى وقطعوا شعورهم ومزقوا ثيابهم ثم خرجوا هاربين وتركوا أموالهم وأهليهم، وامتلأت بهم الطرقات، ولم يبق في القدس إلا نفر يسير، ونقل المعظم ما كان في القدس من الأسلحة وآلات القتال وقد شق على المسلمين تخريب القدس واخذ دمياط
عرض الكامل - بعد موت أبيه العادل - أن يرد إليهم مملكة بيت المقدس وجميع ما فتحه صلاح الدين على أن يردوا إليه دمياط فحسب، ولكن هذا العرض المغري قوبل بالرفض من جانب الصليبيين وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضا عن تخريب القدس ليعمروه بها.
ويقول لأن بول في كتابه: تاريخ مصر في القرون الوسطى (ص٢٢٣): أن اعظم فرصة أتيحت الصليبيين قد أضاعوها، وان فيليب أوغسطوس عندما سمع نبأ رفضهم قال: انهم مجانين بلهاء إذ يرفضون مملكة مقابل مدينة ولم يلبث الصليبيون أن انهزموا في مصر وتركوها، فلم تفدهم حملتهم شيئا.
لم يحاول الصليبيون استرجاع بيت المقدس، ولا يعود ذلك لأسباب حربية فحسب، ولكن روح الصليبيين قد تغيرت. فصليبيو سوريا يفضلون مدنهم الساحلية الغنية المليئة بتجار الطليان والتي يحف بها الأراضي الخصبة الزراعية على أراض داخلية خربتها حروب الفرنج مع صلاح الدين، أما الرغبة الملحة في امتلاك مدينة المسيح فقد أطفأتها شهوة الثروة، ومع ذلك لم تمت هذه الروح وظلت حية في نفوس أساقفة روما الذين دفعوا فردريك الثاني إلى إن يشن حربا صليبية جديدة فأقلع إلى الشام ونزل بمدنه الساحلية سنة ٦٢٥، وكانت هذه الفترة التي نزل فيها فترة نزاع بين الكامل وابن أخيه الملك الناصر، فرأى الكامل بعد مفاوضات بينه وبين الإمبراطور الصليبي أن تعقد بينهما معاهدة، نزل بمقتضاها سفطان مصر عن بيت المقدس بشرط أن تبقى على ما هي عليه من الخراب، ولا يجدد سورها، وان يكون سائر قرى القدس للمسلمين لا حكم فيها للفرنج وأن الحرم بما حواه من الصخرة والمسجد الاقصى يكون بأيدي المسلمين لا يدخله الفرنج إلا للزيارة فقط،