العواصف القاصفة بالسهول. . . وهدير البحر يتعالى مضطرباً صاخباً، والأشجار العارية تمد أيديها كأنها تسأل النجدة أن تستغيث مما ترى وتسمع. . . وأوراق الشجر تتناثر على الأرض فتلوح مما علاها كبساط مزركش زاه. . . ثم أرسلت السماء بعد ذلك ثلجاً أبيض ناصعاً رقيقاً، فكسا كل شيء رداءً أبيض ناصعاً رقيقاً، فكسا كل رداء أبيض يشف عن طهر وروعة، مبدلاً بؤس الخريف وعبوسه دنيا بيضاء. . . ناصعة البياض، وكان هذا قبل عيد الميلاد بيومين. . . حين تلجأ الساهرات إلى مثواهن يخشين الأشباح التي تطوف في الكون كلما حان هذا الحين. . . وعلى حين فجأة تبدى الكون الأبيض في وشاح قرمزي اللون يضطرب ويلتهب، فلقد اندلعت نيران، نيران هائلة، أضاءت من تلظيها الغابة التي كانت تجاورها. ولقد أهرع رجال القرية وعمال المقاطعات الأخرى ليطفئوا النار. . . ينير لهم السبل وهجها الأحمر. ولما بلغ القوم بيت مارتا ألفوا حقلها يشتعل، والريح الشمالية تقذف بالسنة ناره إلى كل جهة. وكانت الأبقار تخور فزعاً فيملأ خوارها الأرجاء؛ والخيول مسَّها خبل فأخذت تقمص حتى وجدت مخرجاً فاندفعت منه إلى السهل الأبيض كأنها أشباح تطوف.
وأمام البيت الملتهب تقف امرأة. . . كان شعرها الأغبر الأشعث المنفوش يحيط بوجه كالح وعينين متحجرتين. . . وكانت تقهقه ضاحكة. . . فتعلوا قهقهتها على خوار البقر وفرقعة الخشب المحترق، ولقد لبثت حيناً بعد ذلك وهي تشهد ما حولها وتقهقه.