للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بناءً على هذه وبناءً على أن الله خلق الحنجرة والشفتين واللسان قبل أن يخلق الورق والمداد والأقلام وحتى لا تصبح المجالس والنوادي ميادين تتبارى فيها فنون الملق والتدجيل والرياء أرى أن يتكلم كل ما أطاق لسانه وحنجرته الكلام، ولكن في حدود اللياقة والمنطق والاحتشام

هذا ولما كان الحديث ذا شجون فقد استرعى انتباهي من شجون حديثك ما ارتأيت من أن الكفايات يجني بعضها على بعض، وهي قولة حق يحس صدقها كل من عانى التعبير عن هواجس النفس وخوافي الحس بطريق غير الطريق الذي اعتاده؛ ولكن هذا لا يعني أن نخضع للأمر الواقع ونترك هذه الكفايات يبتلع بعضها بعضاً حتى لا تبقى إلا الكفاية الواحدة تستبد بصاحبها أبلغ الاستبداد، ولا تدع له أن يقول قولاً أو يبدي رأياً أو يدون هاجسة من هواجسه إلا عن طريقها وبأسلوبها، وقد يكون بين الكفايات المكبوتة ما هو أولى بالبروز وأخلق بالرعاية وأحق بالترويض من الكفاية التي زاحمت ما عداها من الكفايات فزحمتها وردتها ذليلة مقهورة. ثم يجب ألا يفوتنا أن الممارسة والمران كفيلان بأن يزيلا عن الكفاية المكبوتة ما قد بحسه صاحبها من العسر عند أول ما يحاول استغلالها. فالكفاية العالية المهملة كالجواد الكريم طال ارتباطه وحرم أن يسعى أو يجول في طريق أو ميدان، فيجد راكبه صعوبة في تصريفه أول الأمر، ولكنه لا يلبث طويلاً حتى يعود إلى ما هو خليق بالعتق والأصل الكريم من التبريز في غير عسر ولا عناء.

أديب عباس

<<  <  ج:
ص:  >  >>