للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجسامهم.

وأقبل العيد فقضت ليلته في طواف الشارع على عادتها وقد انتصبت في جلستها على الأرض تحرس أطفالها النائمين حولها، ولماذا لا تقضي ليلة العيد على حافة الطريق وهي واحدة من لياليها لا تفضلها في قليل أو كثير؟ لأي سبب من الأسباب يسهر أطفالها ولم يكن ليؤرق جفونهم شوق إلى مفاجأته؟ إن أملاً ضعيفاً ليداعب خيال هذه الأم فتتمنى أن يأتي لها العيد بما لم يحققه رمضان لكي تبتاع لأولادها بعض ما يحتاجون. ولم تكد عيناها تذوقان لهم النوم في تلك الليلة: لم يؤرقها ذلك الأمل ولا أقض مضجعها هم فالهموم لا تقض مضجع من لا يعرف غير الهموم، والأمل لا يؤرق من لا تحقق له الحياة أملاً واحداً، بل هي لم تنم لأن الشارع لم ينقطع ضجيجه في تلك الليلة وظل زاخراً بجمهور من الناس يهرعون إلى الأسواق في آخر لحظة ليكملوا نواقص العيد الذي لن يكون عيداً إذا لم تزدحم مائدة الأسرة بكل ما يفرضه العرف، وإذا لم ينل جميع أفراد الأسرة نصيبهم المقرر من الهدايا. إنهم يتضاحكون ويتدافعون في تلك الساعات الأخيرة ليحفظوا لصغارهم وكبارهم بهجة العيد. وما يكاد ينقطع عن الطريق سيلهم الصاخب حتى تقذف البيوت بأفواج جديدة من الناس وهم الأتقياء المتعبدون الذين يتسابقون إلى بيوت الله في الساعات الأخيرة من تلك الليلة الفضيلة ليكونوا في طليعة المؤمنين الذين يستقبلون فجر العيد بالصلاة والدعاء.

لو شاء إنسان أن يزور الدائرة الرسمية المختصة متسلحاً بعزم العلماء وبصبرهم، ولو شاء أن يبحث بين أكداس الأوراق والملفات عن سجل هذه الأم وأطفالها - إذن لوجدهم في عرف الحكومة، في عداد الأحياء من بني الإنسان الذين يحملون أسماء ولهم جنسية ودين.

بغداد

علي حيدر الركابي

<<  <  ج:
ص:  >  >>