والمسلمين بقوله هذا، لأن المسيحيَّ العاقل الفاضل يعذره، ولا يكفره، إذ لا يجتمع عقل سليم وتعصب ذميم، والفضل يحول بين المرء والعدوان في كل زمان ومكان؛ وأما المسلم الذي يعرف ما لقيه المؤلف في سبيل عقيدته الحرة من ضروب الأذى، فإنه لا يقول لمثل خليل جمعة الطوال متملق دجال!
إن دين الله السماويَّ واحد، وكالقطر حين ينزل من السماء واحد، وتحليله الكيميائي واحد، وإنما تباعدت النصرانية الحاضرة عن الإسلام بكثرة ما دخلها من الزيادات الكنسية، كماء السماء ينزل صافياً نقياً، وكلما ازداد اتصالاً بالأرض وجرياناً عليها قل صفاءه بمقدار ذلك وبقاءه، والمؤلف مع اعتقاده بمحاسن الإسلام وصدق دعوته العامة لا يزال يعتقد بالنصرانية الأولى ولا يرى تنافياً في الدعوتين، لأن الإسلام كما قال السيد جمال الدين الأفغاني: نصرانية وزيادة، ولذلك يقول في كتابه (تحت راية الإسلام) ما نصه: (إن اعتقادي الصحة في معتقدي لا يمنعني البتة من أن أعتقدها في مذهب غيري)، ويقول في موطن آخر معترفاً بأن محمداً لم يرسل إلا رحمة للعالمين: فبه اهتدت السفينة الضالة وكملت البشرية الناقصة، وعزت الإنسانية المهينة، فمن لم يحبه عن طريق الدين الذي أظهره، أحبه عن طريق الدنيا التي طهرها، ومن لم يمجده عن طريق الإسلام الذي رفع مناره مجَّده عن طريق العنصر العربي المجيد الذي أعز مكانه ورفع قدره وأعلى كلمته. . .)، فالأستاذ خليل جمعه الطوال الذي شرح الله للإسلام صدره لا يزال في يوم الناس هذا ممن يكتم إيمانه، وإن صدَّق بنبيه العربي محمد وأحب قرآنه، ودون للناس في كتابه حسنَ دعوته وإحسانه