وتقدم الطبيب من فراش المريضة ووقف هو على رجع البصر منها يثني إليها نظرة. . . رآها كما تركها راقدة في الفراش لا تقوى على حركة، في وجهها الألم، وفي عينيها أثر السهاد والأرق، وفي شفتيها زرقة رهيبة. . . وكانت تتنفس بصعوبة حتى خيل إليه أنها عدمت النفس. . . وشاءت أن تتكلم، إلا أن الكلمات ماتت: شفتيها وتمتم على ترى ماذا تريد أن تقول؟ وأحس كما لو كانت نظراتها أغلالاً تطوق عنقه. . . وأن جو الغرفة لم يعد صالحاً لتنفسه فتسلل هارباً إلى غرفته! ووقف وراء النافذة! وكان الهواء ساكناً فلم يرعش أوراق الأشجار القائمة على خفافي الطريق. . . والقمر على مستقره السماوي يبعث إليه إرسالاً من النور. . . وأشعل دخينة راح ينفث دخانها. . . وقد بدا له كل شيء الآن في إطراقه الصمت والسكون. . . حتى تفكيره كان هادئاً ساكناً فلم تبرق فيه فكرة، وأخرجه من هذا الصمت الذي أن على المكان صوت الطبيب يدعوه - فمضى إليه، وتهادى إلى أذنيه صوته وهو يقول:
- ينبغي أن أصارحك بأن الوضع عسير جداً. وأنا بين اثنتين إما أن أضحي بالطفل لأنقذ الأم، وإما أن أضحي بالأم وأنقذ الطفل. وقد رأيت التمس عندك صواب الرأي.
وشاعت الفرحة في قلبه فقد استجابت السماء آخر الأمر دعاءه وتسلف النظر إلى الأمام فتخايلت لعينيه حياته الجديدة الموهوبة. وأنصت إلى هاتف من أعمق قلبه يهتف به.
- قل: أنقذ الطفل. أو ليست هذه هي الفرصة الموهوبة التي لبثت على انتظارها الشهور الطوال. أو لم تكن تتشهى منذ لحظة أن يعجل الله بوفاتها لتنطلق من إسارها لتبنى بعدها بعذراء جميلة. تطارحك الحب - قيل أنقذ الطفل تملك ناصية السعادة وتحقق غارب أمانيك. وصعد إلى الطبيب رأساً أثقله الفكر وقال: سيدي. . أنقذ الأم!