أما أنا فأخالفه وأراه متحيزاً في حكمه، وأرى هذا التحيز نتيجة لازمة لمقدمته عن ميزان الشعر فقد جعل الأساس في وزن الشعر أغراضه، وقسم هذه الأغراض إلى شريفة وغير شريفة، دون أن يحدد هذا التقسيم، ثم اظهر ميله إلى شعر الحضر ونفورة من شعر البادية فجعله غليظاً خشناً ليس فيه من المحاسن إلا وصف جمال الطبيعة إن كان ثمة من جمال في البادية! وعلى هذا الأساس قدم عدياً لشرف أغراضه ورقته التي اكتسبها من الحضر مع انه يقول في صفحة ١٤ (ولا نريد من هذا ان الأدب الحضري في جملته كان خيراً من الأدب البدوي في جملته، وقد يوجد من أدباء البدو من كان خيراً من بعض أدباء الحضر ومن أدباء الحضر من كان خيراً في أدبه اقل من بعض أدباء البدو) ولكنه أراد ان يقدم عدياً فتكلف، واضطر إلى أن يغمط امرأ القيس كثيراً من محاسنه، هذا إلى أنى أخالف الأستاذ الفاضل في قوله عن الشعر (ان موضوعاته هي أغراضه وألفاظه هي معانيه، ومعانيه هي ألفاظه، ولا يمتاز اللفظ عن المعنى إلا في مظهر وجوده في اللسان ووجود المعنى في الذهن).
لا أستطيع أن اقره على هذا الرأي، ولا أجده يحتمل المناقشة أو بعبارة أخرى أجد المناقشة فيه لا تنتهي، فإن المناقشة في البديهيات تخرج عن الموضوع إذ أنها تبدأ من قضية مسلمة ومن نقطة نهائية.
أما عن قياس الشعر بأغراضه فإني أرى الأمر على عكس ما يراه الاستاذ، فلم تتسنى الموازنة بين شاعرين، إذا أردنا تفضيل أحدهما على الآخر إلا إذا اتفقا في الغرض، أو على حد تعبير أدبائنا إلا إذا اتحدا في المدرسة، أما أن يختلفا في البيئة والغرض فنجعل من ذلك مقياساً للموازنة بينهما فما لا أسلم به إلا إذا استطعنا أن نوازن موازنة تنتهي بحكم تفضيلي بين أبي نؤاس وعمر بن أبي ربيعه مثلاً أو بين البحتري والمعري أو بين شوقي والبار ودي. . . الخ.
ولكني إذا خالفت الأستاذ في بعض آرائه فلا يسعني إلا أن أعلن إعجابي بدقته في البحث واستقصائه لتفاصيل الموضوع وإلمامه به، هذا إلى جمال عبارته ودقة أدائه مما يجعل كتابه جديراً بالاقتناء، خليقاً بالدرس في روية وإمعان.