أية لحظة، بل هو يصفها دافع الإعجاب، ولكن بشخصية، أو بمعنى آخر بقومية، ومن هنا ترتقي مكانة الكتاب عندي، لأنه يقول في معرض حديثه عن الأكروبول. . . (ولكن أين ربوات الأكروبول من ساحل طيبة الخالد على مر الدهور، أو من مهابة الأهرام ومعابد الكرنك وقصور فيلي؟ تلك الكاتدرائيات الفرعونية العظيمة التي شيدتها ونقلت جلاميدها الصخرية الهائلة الأيدي السحرية العجيبة. . . .) أو عندما يذكر (أذكر أني قابلت في أحد المطاعم (في أثينا) جندياً في الجيش كاد يبكي وهو يحدثني بالعربية في السعادة التي تنعم في أعطافها يوم أن كان يعمل (جرسونا) بمقاهي القاهرة الكبرى. . . .) (ويستطرد في القول). . . وأحسب انه نتيجة عطف أولته مصر لأبناء هذه البلاد منذ انبثق فجر التاريخ. فقديماً لقنهم المصريون أسرار الحكمة وأصول التشريع وزودهم بأسلحة من العلم واستقامة الفهم، فذاناؤس وككرلس وفيثاغورس شهب ثاقبة في سماء الثقافة الإغريقية، لكنهم لم يزيدوا على أن يكونوا مصريين. .) وكما يبدو في حديثه عن الإسلام وسلاطين آل عثمان في خلال وصفه لاستامبول، وهذه الظاهرة الفريدة في الكتاب تجعلني أسجلها مغتبطاً
قد كنت أؤثر أن يحدثنا - فوق ذلك - الأستاذ حسونه عن تلك البقاع التي زارها أحاديث تتناول صميم الحياة هنالك، عن وسائل رقيهم، وصناعاتهم، ونظم الجمعيات الهامة فيها، والروح الفردية في تلك الأمم، ونواحي الضعف في جماعاتهم، وأسبابها، والظواهر التي يلمحها في أنظمتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأن يتناول بالبحث الانقلاب الكمالي من جذوره في زيارته لتركيا ليصف ويقرر الحقائق التي لا يمكن للقارئ أن يجدها في الصحف لاعتبارات شتى، وأحسب أنه قد لمح إلى ذلك تلميحاً خفيفاً فهل فعل ذلك عن عمد؟ احسب ذلك. ولكنني أرجو أن يوفق إلى ذلك في كتابه المقبل، في صراحة تامة؛ فبلادنا في عصر نهضة، ولنكن حطب هذه النهضة، وكلما زدناها ناراً ازدادت اشتعالاً ونوراً وارتفاعاً، ولن يكون ذلك إلا إذا أفرغنا في سبيلها الجهد كل الجهد وعنينا بتوضيح كل ما يفيد هذه لنهضة ويوطد دعاماتها.