وابتعاث النشاط. فدعا ذلك العجوز إلى أن اجترعت نصف الكأس الثالثة، ولم تجرؤ على استنفادها لأنها شعرت بفعل المسكر بأطرافها، وتلعاب الخمر بأعطافها. فأهرعت إلى عربتها ومضت. . وغدا عليها صاحبنا في عربته ذات الحصان الواحد وحين استقر بهما المجلس أخرج من جوف العربة برميلا صغيرا، فيه خمر الأمس، ثم جلسا يعيدان سيرة البارحة، ولما استقر في جوف كل منهما ثلاثة أقداح، غادرها المعلم قائلا:
- ما أراني بحاجة لأقول لك أن الخمر التي أبقيتها لك تكفيك مدة، فإذا فرغت منها فعندي لك اللذيذ المعتق لا أبخل عليك به، وكلما ألححت في الطلب ألح على السرور وطبت نفساً. .
وآب إليها بعد أيام أربعة، فألقاها على الباب معنية بتقطيع الخبز الذي تعده للحساء، فاقترب منها أنفاً لأنف وبدرها بتحية الصباح، فنفحته منها رائحة (الكحول) وملأت خياشيمه، هنالك أضاء وجهه بنور البشر والفوز ثم قال:
- ألا تقدمين إلي قدحا من الكونياك. .؟ وجلس الاثنان يعاقران الخمر ويشرب كل منهما نخب صاحبه. . ولم يطل الأمر بالأم (ماكلوار) حتى شاع عنها أنها تعاقر الخمرة متخيلة لنفسها وفي الحق كان الجيران يلقونها إما مستلقية أمام مطبخها أو ساحة دارها لا تعي، أو منطرحة في الطرق والشوارع لا تحس، فيحملونها إلى بيتها جثة لا حراك فيها ولا وعي. .
ولم يعد المعلم شيكو يتردد على بيتها، فكان يقول للجيرة راثيا:
- إنه لما يبعث الأسى أن تدمن هذه العجوز الشراب وهي في أرذل العمر، مع أن الخمر تعجل خطواتها إلى القبر
وفي الحق لقد وجدها أهل القرية ميتة على بساط الثلج صباح عيد الميلاد عقب سكرة إنكليزية أبلت فيها البلاء الحسن وورث المعلم (شيكو) أرضها كما خوله الصك، فكان يقول:
- لو لم تتلف العجوز البلهاء صحتها بسموم الخمر، لعاشت عشر سنين أخر!