تكرمت وكلي ما طاب لك فلست مرزئك مالا ولا مكلفك دفع طعام أو شراب. زوريني ففي زيارتك تشيع البهجة في قلبي وينتشر السرور في داري
وفي الغد لم تكلفه الأم إعادة الاستزارة، فراحت إليه في عربتها، والشمس لم تغادر خدها الوردي، وحين بلغت الحانة ربطت حصان العربة في الاصطبل، ثم دخلت عليه طالبة الغداء الموعود.
لم يكد يصدق عينيه المعلم شيكو، وراح ينشط في خدمتها ويجتهد في مرضاتها، كأن أمامه سيدة نبيلة لا قروية بخيلة، ثم أخذ يفتن في تقديم فاخر الأطعمة والآكال وغريض اللحم من الطير المبهر، والدجاج المحمر، ولحم الخنزير المشوي، وأصناف من الخضار والفواكه والتوابل، ولكنها لم تصب من هذه الآكال الدسمة إلا ما يوافق معدتها العجوز التي اعتادت الاكتفاء بحساء اللحم الرقيق، أو قطع الخبز المغموسة بالزبد، وألح الرجل وعزم عليها. ولكنها لم تأكل مضغة ولم تشرب جرعة حتى القهوة امتنعت من تناولها. وأخيراً قال لها وهو يناولها قدحاً من (الكونياك):
- أو ترفضين أيضاً هذا القدح؟
- أما هذا فأقبله دون أن أقول لا. فرجت أركان الحانة بصوت المعلم يقول:
- (روزالي) أيتها العزيزة. احملي لنا كل فاخر معتق من الكونياك. وظهرت الخادمة تضم إلى صدرها زجاجة طويلة ممشوقة ازدانت فوهتها بطابع الكونياك الفاخر. فتناولها المعلم شيكو وأفرغ منها قدحين، ثم عاطى العجوز أحدهما قائلا:
- إنه لكنياك لذيذ شهير، أفلا تتذوقينه يا سيدتي؟
فتناولته الأم (ماكلوار) شاكرة وطفقت تتحساه جرعات صغيرات، وما أن فرغت من القدح الأول حتى أفرغ لها المعلم قدحاً ثانيا، فأعرضت عنه أولا ثم أكرها المضيف بالقول اللطيف والتجمل الظريف والنكتة المستملحة. وكان عازما على إردافه بثالث ورابع لولا أن عالنته برفضها وامتناعها
- ولكن هذا يا سيدتي ليس خمراً؛ أن هذا إلا حليب مصفى، أبتلع عشرة أقداح منه دون أن يتعتعني السكر أو تذهب بوقاري النشوة، لا يكاد يستقر في الجوف كالسكر المذاب حتى يتبخر في الجسم دون أني يجد طريقة إلى الرأس. وليس كمثله شيء لصحة الجسم