للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومهما يمتد بي خيط الهرم، فإنه كخيط العنكبوت وشيك الانبتات سريع الانقطاع. وهل بعد الثلاثة والسبعين عاماً التي توقر كاهلي حياة ترجى أو عيش ينتظر؟ وقاطعها المعلم مغيظا فقال.

- إنها لمحاولة فاشلة منك يا سيدتي أن تصطنعي العجز وتتظاهري بانقطاع المنة. ثقي أن منجل الموت لا يعرف سبيله إلى شجرتك قبل أربعين سنة في أقل تقدير، وإني أراهن على أنك أنت التي ستتولين دفني، فما هذا الخوف والفزع من الموت؟

وتصرم عمر النهار في الجدل والنقاش والأخذ والرد، وجهد المعلم (شيكو) الجهد كله ليقنع العجوز بالنزول عن طلبها الجائر المرهق فما عاد بطائل. وحين لم يجد مندوحة من إجابتها رضي مكرهاً بدفع الثلاثمائة فرنك. . . وغيرت سنين ثلاث وصاحبتنا العجوز كالسروة العتيقة لا يزيدها المزق إلا صلابة وجلداً على الأيام، حتى يئس المعلم من موتها وخيل إليه أنه مرغم على دفع مرتبها الضخم نصف قرن أو يزيد، وان صفقته كانت هي الخاسرة المغبونة، وأنه لا بد موف على الخراب صائر إلى الإفلاس أن ظلت معاهدة الصداقة والود بين العجوز وعزرائيل متينة العرى.

كان يتردد على المرأة الفينة بعد الفينة بحجة السؤال عن نضوج الحنطة، أو الاستفسار عن موعد الحصاد؛ فكانت تستقبله في خبث، وفي قلبها الشماتة والتشفي، وفي معارف وجهها صورة الافتخار والزهو للدور المضحك المسلي الذي لعبته على مسرح بلاهته وغفلته. فكان يرتد سريعاً إلى عربته ويجمجم:

- وإذن فليس في نية هذه البهيمة أن تموت؟ فلم يكن يعرف لمشكله حلا ولا لعقدة أزمته فكاكا. فكانت تمر به ساعات يود فيها لو أهوى على عنق العجوز فخنقه، وروحها فأزهقه، مما في نفسه من الغيظ والحنق والموجدة، وظل زمناً يلتمس وجهة الحيلة للخلاص من طلعة العجوز المشؤومة. وأخيرا ظفر بما يرجو؛ فغدا عليها يوماً يطفر من البشر والسعادة، ويصفق بيديه من الفرح والمرح، وبعد أن ناقلها برهة حديث المجاملة والود قال:

- ألا قولي لي أيتها الأم ماكلوار فيم امتناعك عن زيارة منزلي حين مرورك على حانة (إيدي فيل)؟ أن الحديث فيه ليلذ ويمتع، وأنا هناك يا للأسف مقطوع الصلة من الصديق، منبت الوشيجة من القريب، لا يؤنس وحشتي زائر، ولا يمر علي عابر. فزوريني أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>