بعد عمرك الطويل أن شاء الله. ولبثت المرأة وهي تصغي لقول المعلم مأخوذة دهشة حائرة لا تملك لرأيها إبراما ولا نقضا، ولا لموقفها من الرجل إجابة ولا رفضاً، وأخيرا قالت:
إنه لا يسعني رفض اقتراحك، فلو أنظرتني أسبوعا آخر أتبصر أمري وأروي رأيي. فأطاع المعلم (شيكو) ثم غادر الأم فرحاً فخوراً، كأنه الملك الجبار، استولى على بلد عدوه بالحديد والنار. . أما الأم (ماكلوار) فقد مضت أيامها ساهمة حالمة، لا يستقر جنبها على مضجع، ولا يزور جفنها سنة من نوم. ثم استشرت بها حميا التردد وعصفت نار الحيرة فكادت توطن نفسها على الرفض التام، لولا أن ذكرى المائة والخمسون فرنكا الطنانة البراقة، التي توشك أن تتدحرج في حجرها مطلع كل شهر، كانت تلهب رغبتها الخامدة وتذكي أطماعها الهامدة.
وأرادت أن تضع لترددها حدا، فمضت إلى الموثق الشرعي تنفض له جملة حالها وتستنصحه في أمرها. فأشار إليها بالاطمئنان ونصح لها بالرضا بحل المعلم (شيكو)، ولكنه اشترط عليها لذلك، أن يضاعف لها الراتب فيجعله ثلاثمائة بدلا من مائة وخمسين فرنكا لأن مزرعتها تساوي في أقل ثمن ١٦٠ ألف فرنك، ثم قال لها في أضعاف حديثه:
- لئن عمرت خمسة عشر عاما، فلن ترزئي صاحبك أكثر من أربعين ألف فرنك - فاستقلت جسم العجوز هزة من الطمع حين ذكرت الثلاثمائة فرنك التي سوف تحضى بها رأس كل شهر ولكنها على ذلك ظلت حذرة مبلبلة الخاطر، تنوشها الهواجس، وتتوزعها الوساوس فهي تتوقع حيناً مفاجأة مفجعة وآنا مكيدة مستورة، لا تبصرها ولكنها تحسها، ولبثت حتى المساء تناقش المسألة بكل حل، وتواجه المقترح من كل جهة. ثم. ثم لم تستقر على عزم ولم تتوجه جهة من الرأي
وجاءها المعلم شيكو يستطلع رأيها ويستعلم غرضها الأخير فأنهت إليه قرارها النهائي، بلزوم رفع مرتبها الشهري، وحين رأت هزة الإخفاق تركب أوصاله، ونار الغيظ تحتدم في عينيه، وبوادر الرفض تتوافد على لسانه، أظهرته على قائمة السنين التي يمكن أن تعيشها بعد هذه الصفقة فقالت:
- إني من الوهن ورقة العظم واشتعال الشيب بحيث لا أستطيع الانتقال إلى سريري إلا مستندة إلى الأذرع، أو محمولة على الظهور