وأخرج فجأة من جيبه صورتين، فأطلعني عليهما. كانت إحداهما لفتاة رائعة الجمال، وكانت الأخرى لطفلين كلهما عذوبة. وسألته مستغرباً وأنا أرى من نظراته أنه جدَّ حفيٍ بأصحاب هاتين الصورتين: ما شأن هؤلاء؟ فأجاب، والبراءة في وجهه:(اخترت صورهم من محل بيع الصور. . . أعجبوني. . . أنظر. . . ما أحسن هذه زوجة تجمل بها الحياة! وما أحسن هذين ولدين ينضران العيش!)
أوجع أمين قلبي تلك الليلة!
وانقطع عن التردد علىَّ وعلى زملائنا أمسيتين على غير عادة، وسألناه في الصباح عن السبب، فأجاب في اختصار: أمر خاص
واستحينا أن نستجليه هذا الأمر فسكتنا
وأتى صبي إلى الفندق في الأمسية التالية يسأل عن الأستاذ (أمين) المقيم بالحجرة رقم ٨، وكنا نحن زملاء أمين في بهرة الفندق جالسين نسمر، فسألنا: لم؟ فقال: لأعطيه صورة عائلته، فهو يتعجلها. وعجبنا، فأمين حقيقة ينزل في الحجرة رقم ٨، ولكنه لا عائلة له. وسأل أحدنا الغلام: أية عائلة؟ ربما كنت تقصد أميناً آخر. فقال الغلام وهو يناوله الصورة: أريد الأستاذ أمين المرسوم هنا. وضحك صاحبنا ضحكات تمتزج فيها السخرية بالدهشة، وقام يطلعنا جميعاً على الصورة، والجمع يضج بالضحك. ونظرت فيها فوجدت أميناً بعينه، وقد جمع الرسام بينه وبين الصور التي سبق أن أبدى لي إعجابه بها: صورة الفتاة الرائعة الجمال التي يستحسنها زوجة، والطفلين العذبين اللذين يستحسنها ولدين. لقد أتخذ من هذه الصور المختارة أسرة طيبة يبدو هو فيها كأنه أب آمن السرب، له من أهله قرب وأنس، وله فيهم رجاء!
وأقبل أمين والصورة في أيدينا، فحاول الابتسام أولاً، ثم انطفأ وجهه مرة واحدة، ثم ارتمى في أقرب مقعد يبكى وينشج.