للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصبح الصباح على موسى بن نصير، وهو يطوف بالقبائل، ويتنقل بين أحياء العرب، ومعه جند الخليفة والموكلون بتعذيبه، وذلت نفس القائد العظيم الذي فتح الأمصار ودوخ الأقطار ووقف بكلمة الإسلام في قلب أوروبا حتى بلغت به الحال أن يسأل الناس ما ينجي به نفسه ويخفف من العذاب في جسمه. . قال غلامه الذي وفي له من دون الناس، ولازمه في حالي نعمته ونقمته: (لقد كنت أطوف مع الأمير موسى بن نصير في أيام محنته على العرب، فواحد يجيبنا وآخر يحتجب عنا، ولربما دفع إلينا الدرهم والدرهمين رحمة بنا فكان الأمير يفرح بذلك. . . ولقد كنا أيام الفتوح العظام بالأندلس نأخذ الأسلاب من قصور الإفرنج وخزائن الملوك فنفصل منها ما يكون فيها من الذهب وأشباهه ونرمي به، ولا نأخذ إلا الدر الفاخر. . . ولقد رأيت الناس جميعهم يتحرقون على أن يكونوا في خدمة الأمير أيام دولته، ثم رأيتهم ينفضون عنه جميعهم أيام محنته. . . ولقد نزلنا بوادي القرى نسأل العرب، فعزم رجل كان من قبل في خدمة الأمير على أن يسلمه لحتفه، ففطن لذلك الأمير، فذلَّ له، وقال. يا فلان: أتسلمني في هذه الحال؟ فقال له اللئيم: (لقد أسلمك خالقك ومالكك الذي هو أرحم الراحمين)، فدمعت عينا الأمير، وجعل يرفعهما إلى السماء ضارعاً خاضعاً وهو يزم شفتيه ويتمتم بكلمات غير مفهومة فما سفرت تلك الليلة القاسية الحالكة إلا عن قبض روحه).

محمد فهمي عبد اللطيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>