بجواري ولذت بكنفي واستجرت بحماي وهو يعرف ذمة العرب في ذلك، ولكن غضب الملوك أعمى، قد يحتدم عن غير سيب، ويمضي إلى النهاية لا يقف به سبب، ولقد أصر سليمان على موقفه منك، وأصررت على موقفي منه، وما زلت به حتى وهبني دمك وحياتك، ورضى بأن يرفع السيف عن عنقك، ولكنه أبى أن يخفف العذاب عنك وأن يكف الإهانة والتشهير بك حتى تدفع ما فرضه عليك من الغرم كاملا غير منقوص، وترد إليك ما أخذت من مال المسلمين كما يزعم).
فصاح موسى صيحة مغيظة:(أو هكذا صنع، أو هكذا أبى وأصر؟! إنا لله، أفٍ لها من دنيا تافهة وحياة رخيصة ذليلة، بل أفٍ لجبابرة الملوك، ما أغدر وما أخون، بل ما أصغر وما أحقر وهبني يا صاحبي أذنبت، وجئت بالشعناء التي لا تجوز، فأي رجل هذا الذي لا يسعني بحلمه وهو الذي يسع الخلائق بحكمه، ألا ليتني صرت إلى باطن الأرض قبل اليوم، ولعل الله منَّ على بطعنة فارس في حومة الوغى فصرعت مصرع الأبطال، ولكنه قدَّر على كل هذا العناء. . .).
(رحماك يا فتى المهلب، وإني لشاكر لك مسعاك، وحافظ يدك الغامرة، فقد أوفيت لي بحق المرؤة، ونهضت نحوي بعهد العرب وذمتهم، ولكنها لجاجة مني، والمكروب لجوج، والنفس في حومة الأسى لا يربطها تفكير ولا رأى، وماذا تحسبني بمستطيع أن أصنع، وليس في يدي شيء من المال، وليس لي في العرب القبيل الذي يحمل عني ذلك الغرم الفادح؟).
قال يزيد:(إني لأعرف ذلك، وإنه ليكرب نفسي، ولقد مررت في عودتي إليك من عند الخليفة بأحياء العرب وتحدثت إليهم في الأمر، فتحملت عنك (لخم) تسعين ألفاً ذهباً، ووهبتك من مالي ما زاد على النفقة، ودفعت بذلك إلى الخليفة حتى يرفع عنك العذاب والإهانة انتظاراً لوفاء ما بقى من الغرم المفروض، وما أحسب أن رؤساء العرب سيردونك إذا قصدتهم وهم الذين يعرفون لك ما أسديت في الفتح والجهاد، والله يتولاك في كشف هذه الغمرة. . .).
وسمع موسى من صاحبه ما تكلم به، فلم يرد بكلمة، ولم يزد على أن تمتم تمتمة غير مفهومة، ثم صعَّد من أعماق نفسه آهة محترقة.