إليها. . . ولولا ضرورة القدر الذي ذهب بذلك العطر الحبيب. . . لتغيرت دنياي ودنياك. . . لهذا أنصح لك بالتروي والتريث. . . والصبر، فقد أجتاز الأمر دور العاطفة وأصبح في نطاق العقل وحده. . . أرجو أن تحتمل أكثر من صدمة.
أنور
وفي الصيف تقابلنا، فأنكرت ما رأيت من حال (حماده)، وكدت لا أعرفه من فرط ما بدأ عليه من إرهاق وهزال، وبادرني مغتبطاً متمرداً قال: -
أهكذا يا (أنور) تقلب لي ظهر المجن. . . ليتني لم أبح لك بسري. . . لولا أنك كنت تعدني ذخيرة لا يستهان بها، وثروة في النبوغ تزهي بها خزائن المجد. . . اليوم أفلست تلك الخزائن، وذهبت أسطورة النبوغ أدراج الرياح. . .
والتزمت الصمت، وكلفت نفسي عسرا لأصطنع ابتسامة. ولكن دون جدوى، حتى أعرض عني (حماده) وتولى كالعاصفة. ولقد خشيت - إن أنا بحث له بالأمر - أن يقع عليه كالصاعقة، فتأتي على ما تبقى من هيكله المهدود. ولكن آثرت كتمان خبر انتحارها، ورضيت منه بتهمة سوء الظن التي رماني بها رفيق الصبا. . . ولو كان في حطام نفسه بقية لأدرك ما كنت أعني بذهاب العطر الحبيب في خطابي الأخير
ولست أدري بعدها كيف بلغه الخبر، فذهب إلى قصر النيل والتف بذراع الموجة العذراء، وغاب في اليم بتراب الكأس الذي أحترق فيه نبوغ الشباب. . . وهنا تنفس أنور الصعداء. . . وأجهش للذكرى، ثم قال: أما أنا. . . فكتمت السهم في كبدي