خارج من بابها إلى يمين. بعد منزل أو منزلين، أرفع بصرك إلى الدور الثاني. الشرفة الدائرة هناك يا أنور سر خفي لا أدري مدى تغلغله في نفسي.
تلك الفتاة كانت زميلتي في الدراسة. وقع عليها نظري فجأة فعرفت الحب من أول نظرة. كانت كالوردة لم تتفتح بعد. وإن الربيع يضفي عليها من الفتنة والجمال ما جعلني أسبح من يومها في بحر لا شطئان له. نتحدث بعد كل محاضرة، فكان لحديثها في نفسي موقع الماء من ذي الغلة الصادي. وما كنت أشعر بالوجود ولا بالزمن بل هي اللهفة تسوقني إلى النبع الصافي، فأرتوي، فما ألبث أن أظمأ من جديد
وكنت أعرض عليها بعض خدمات تقتضيها الزمالة الجامعية. . . فتشكرني بنظرة وبسمة أعدمها غذاء روحي في اليوم كله. . . وضقت بالمجد ذرعا، وسرعان ما انتقلت حياتي من عقلي إلى قلبي. . . من أعماق الكهوف، وأصنام الماضي إلى أحلام الربيع، وألحان الفجر. . . وقلت للمجد: وداعاً، عد. . لا حاجة بي إليك.
ومهدت لزواجي منها بزيارة لها بمنزلها حيث استقبلني خالها، فقد علمت أنها يتيمة الأبوين. وكانت هذه الزيارة لقلبي كالمرهم يهدهد جراحه الصارخة. وفاتحت أمي لأني خجلت من مفاتحة أبي في الأمر، فكان رده بالموافقة على رغبتي عذباً رقيقاً دمعت له عيناي، كالطفل أعطي لعبة هو في شوق إليها. . .
وتقابلنا بعدها، فإذا بي أتحطم على (النظرة الصماء). . . نظرة أودت بالرقة والحنان اللذين كنت ألقاهما منها كل صباح. .
هأنذا لا أطيق ذكرى هذه النظرة بل الصخرة. . . فهل أنا واهم يا أنور؟
حماده
الجيزة في ١٧ يونيو
أخي حماده
لك العذر في تأخيرك الكتابة إلى، واليوم تسلمت رسالتك فشفت نفسي مما تجد، وعرفت أنك معذب بلقبك الذي لا يطاوعك، وأيقنت أنك ماهر فيما وقع عليه رأيك، وأطمئنك مقدما إلى أني كنت قد عزمت على ما شرعت أنت فيه. وهي في الحقيقة فتاة لها مزاياها. . . ومسلكها مما يرضيك، ويتفق مع وجهتك. . . ولولا وفاة والدي ما أحجمت على مد يدي