ومن ذلك اليوم صرت أرى نظرات المقت والكراهية الجنونية على عيني المربية وصارت تقرض أسنانها كالذئب كلما رأتني؛ وبدأت أعرف كيف تكون كراهية الشياطين. وفي يوم من الأيام كانت تلقنني الدرس فسمعتها تقول:(إنني أمقتك؟ ليتك تعرف مقدار كرهي لك أيها الحيوان) ثم زادت على ذلك: (إنني لا أخاطبك ولكني أعيد جملة من رواية.)
كانت بعد ذلك تأتي إلى غرفة نومي وتنظر إلي وأنا بين النوم واليقظة نظرة مقت؛ وصارت الحالة تزداد حتى أمسكتني من ذراعي مرة من المرار وقالت:(إني أكرهك وما تمنيت لإنسان من الشر مثل الذي أتمناه لك وأريد أن تفهم ذلك.)
كان ذلك في الليل، وكان ضياء القمر الشاحب ينير الغرفة، ونظرت إلى عينيها فسررت أولاً، لأن هذا الشيء جديد، ثم خفت فصرخت بصوت عال، ثم عزمت على أن أخبر أمي؛ على أني لو كنت أعرف جوابها لما عزمت هذا العزم الأحمق
لقد أجابتني:(وما شأنك أنت؟ أنت صغير فلماذا تتدخل فيما لا يعنيك؟)
وكانت أمي فاضلة رقيقة الإحساس؛ وكانت تتجنب ما يؤدي إلى الفضيحة فلم تطرد مربيتي في الحال بل انتظرت مدة كانت تنصرف فيها عن المربية شيئاً فشيئاً ثم أخرجتها بعد مدة من المنزل لسبب آخر انتحلته. وأنا لا أزال أذكر تلك النظرة التي رمتني بها المربية وهي تغادر المنزل
بعد ذلك بعهد طويل صارت مربيتي زوجة لأخي وهي فلانة التي تعرفونها جميعاً. وتغيرت ملامحي فلم أعد أشبه ذلك الغلام الذي كنته، ولكنها بالرغم من ذلك لا تزال تنظر إليَّ إلى اليوم نظرة بعيدة عن الود، وتعاملني كلما زرت أخي معاملة غير معاملة الأصهار، وما ذلك إلا لأن البغض الأول كالحب الأول ليس من السهل أن يزول