وقلت لا بد من الاستفادة منه. ثم ابتسمت ابتسامة المنتصر، وذلك لأن في معرفة الأسرار لذة لا يستهان بها خصوصاً إذا كانت أسرار أخي الذي له نفوذ بالمنزل، ومربيتي التي لها نفوذ عليّ
لما عادت مربيتي إلى الغرفة كالعادة نظرت إلى وجهها الجميل وعينيها البراقتين، وكان السر الذي أكتمه يكاد يمزقني فقلت: لقد عرفت! لقد رأيت!
قالت:(ما الذي رأيته، وما الذي عرفته؟)
فقلت:(رأيت أخي يقبلك وأنت تقبلينه عند البحيرة)
عند ذلك وجدت النار تكاد تتقد في عينيها، وجلست خائرة القوى على المقعد ولم تنطق بحرف، وأعدت جملتي وزدت عليها:(انظري حتى أخبر أمي)
فنظرت إلي باهتمام ورعب؛ ثم لما تبينت أني لن أفعل أمسكت بذراعي وهي في حالة شديدة من اليأس، وقالت بصوت خافت:(هذا لا يليق. . . أتوسل إليك. . .! بالله لا تقل شيئاً! إن الشرفاء لا يتجسسون. . . أتوسل إليك. . .!)
لقد كانت مربيتي المسكينة تخاف من أمي، وهذا سبب من أسباب فزعها، ولكن أهم هذه الأسباب هو افتضاح حبها الأول. وأنتم بلا ريب تقدرون شعورها في هذه الحال. وفي الصباح عرفت أنها لم تنم طول ليلتها لأني رأيت حول عينيها هالة زرقاء مسودة، ورأيت في عينيها علامة السهاد. ولما وجدتها وحدها بعد ذلك في غرفتي قلت:(لقد عرفت، لقد رأيت!)
فنظرت إلي ولم تجب، ثم لما رأيت أخي وحده قلت له هذا القول، فلم يكن ليخاف خوف المربية، بل شتمني فخفت أنا. . . ولم أعد أجرؤ على تكرار كلمتي أمامه. أما المربية فقد أردت الاستفادة من معرفة سرها، فصرت لا أذاكر، وصرت أعبث في غرفتي كما أشاء فلا تشكو إلى أمي ولا تظهر لي الضجر. وحافظت على تلقيني دروسي متى أردت وعلى شرح ما أطلب شرحه، وهي تتغاضى وتلزم الوقار. ولكن مضى أسبوع وضاق صدري بالسر فجلست مرة مع أمي وكانت معنا المربية وأخي فقلت لأمي:(لقد عرفت! لقد رأيت!) فبدا الفزع والرعب على وجه المربية وبدا الغضب على وجه أخي ولكني لم أزد ولم تسألني أمي.