قالت: أصبت، وثاني أكسيد الكربون غاز خانق يوجد في الكهوف وفي بعض المياه، وقد رأيت كهفاً بالقرب من مدينة نابولي يكثر فيه هذا الغاز، ورأيت كلباً ألقي فيه فمات لساعته
قالت لي مربيتي بعد هذا الحديث: إن أبي وأمي ليسا بالمنزل، وإن أخي يشكو الصداع وأنه ذهب للطبيب وأن ليس بالمنزل غيري وغيرها، ثم سألتني وهي لا تزال تطل من النافذة على الأشجار وما يليها من الفضاء:
ما هو الأفق؟
فقلت: هو الخط الوهمي الذي عنده تلتقي السماء بالأرض
وعادت فسألتني وهي لا تزال تنظر إلى الأشجار: وهل الأشجار تتنفس الأكسجين؟
فقلت: نعم، ثم رأيت في يدها ورقة مطوية قد شدت عليها أناملها ونظرها يرتد عن الأشجار وقالت: في إيطاليا كهف بالقرب من نابولي يكثر فيه هذا الغاز الخانق، هل تقول: إن الأفق هو الذي تلتقي عنده السماء بالأرض؟
وكانت وهي تقول ذلك كالحالمة، وتجلى اضطرابها الشديد، ثم مشت ذهاباً وإياباً في الغرفة بحالة تدل على القلق وقالت لي: أقرأ درس الرياضة حتى أعود بعد نصف ساعة
خرجت مربيتي من الغرفة، ورأيتها وهي تمشي في الحديقة بخطوات كخطوات المحموم، وكان وجهها أكثر احمرارا من عهدي به، واضطرابها جلي إلى درجة استلفتت نظري، فقلت في نفسي: إلى أين تذهب يا ترى؟
وطويت الكتاب وقلت: أتبعها وكنت أحسبها ستنتهز غياب أمي فرصة وتسرق بعض الفواكه من أشجار الحديقة. ولكنها لم تفعل بل تجاوزت كوخ البواب وخرجت من المنزل، وتبعتها مختفياً وراء الأشجار حتى وصلت إلى البحيرة. وهنالك. . . هنالك وجدت أخي الذي قالت إنه مريض وأنه ذاهب إلى الطبيب
لم يكن أخي عندما شاهدته مريضاً بل وقف عندما رآها وكأن قوة غريبة دفعت كل منهما إلى الآخر فتعانقا وقبلها وقبلته وفهمت من كل حركاتها وإن كنت صغيراً أن هذه أول مرة فعلتْ فيها مثل ذلك
وكان وراءهما أكمة عالية فغابا خلفها وعدت إلى المنزل وأنا أشعر بخجل شديد. ولم أر أكثر من ذلك، ولكن لكوني متقدماً في الذكاء عمن كانوا في مثل عمري فقد فكرت في الأمر