وطنية ترمي إلى المحافظة على الكرامة العامة، ورعايةالحقوق؟ وإذا كانت هناك روح، فما مظاهرها وما عوامل حياتها؟ وإن لم تكن هناك روح، فما الأدلة على ذلك، وما الأسباب التي وجهتها الأقدار سهاماً إلى هذه الروح، فقضت عليها؟
الحديث في ذلك يطول، لا يستوعبه مقال واحد؛ إذ البحث فيه يتطلب النظر الطويل في التاريخ وفي النظم الإدارية والأحداث الاجتماعية، وفي أنواع الثقافة وأصباغها، وتتبع نزعات العامة، وتلمس مصادفاتها التي تخرج فيها عن وقارها، وعن حياتها الآلية العادية، في تلك العصور الوسطى التي امتحنت فيها الأمة بطغيان سلاطينها واستبداد أمرائها وعبث جندها وتراخي كثير من علمائها عن إصلاح إدارتها.
لقد انضوت مصر تحت اللواء العربي، واندمجت في نطاق الأمم العربية، بعد الفتح العربي. ولا غضاضة على روحها القومية من هذا الانضواء والاندماج، ما دامت قد رأت في الإسلام عدالة فياضة، ومساواة كاملة، وأخوة نقية، وأنست في الحاكم الإسلامي رعاية عامة ونزاهة تامة، وتسامحاً كريماً، وحباً للخير.
ولكن جرت الأحداث في الدول الإسلامية، بعد، على غير ما يشتهي الإسلام، فانساقت مصر إلى الانفصال والاستقلال وأخذت سمتها نحوهما، واستردت روحها القومية حريتها في الظهور والعمل.
وبدأ ذلك بدءاً جميلا منذ العصر الطولوني، وما زال حتى كان تمهيداً حسناً للعصرين الفاطمي والأيوبي اللذين استقلت فيهما مصر استقلالا كاملا أكثر من ثلاثة قرون، وغزت جنودها باسمها في البلاد المجاورة وفرضت سيطرتها، وحملت أعباءها كاملة إبان الحروب الصليبية.
فلما آلت سلطنة مصر إلى حكم المماليك وجدوا فيها أمةمستقلة غازية حاكمةاتسعت رقعة مملكتها خارج حدودها، وعنيت بنشر ثقافتها عناية محمودة، فوجدوا من هذا، الأساس الوطيد لبناء مجيد.
وكنا نرجو لو أن المماليك نهجوا في سياستهم الداخلية منهجاً يرمي إلى إعزاز الشعب وإنهاضه، والسمو بمستواه الروحي، واتبعوا إزاءه هذا النهج الحميد الذي اتبعه وإلى مصر ومحييها الكبير محمد علي، بعدهم بنحو ستة قرون. . إذاً لاستطاع الشعب المصري أن