للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يغير وجه التاريخ، وأن يفرض سيادته - على الأقل - على هذه الرقعة الواسعة من غرب آسيا أكثر مما فرض. ولتحققت لمصر على يدهم، أحلام محمد على، الذي صادفته عقبات لم يكن لها وجود في العصر المملوكي، كأتمار الدول الأوربية به، ووقوفها سداً منيعاً وعصبة واحدة في سبيل توسعه. ولكن المماليك تجاهلوا الشعب وأنكروا مواهبه وتناسوا حقوقه، وفرضوه بقرة حلوبا تدر لهم وهم ملاكها.

حقا! قد كونوا لأنفسهم جيشاً عظيما كثيفا مزوداً، حفظوا به كيان دولتهم وفرضوا مهابتها ووسعوا رقعتها، وحكموا به فيما حكموا البلاد الشامية والحلبية والحجازية، حتى أصبحت سلطنتهم أقوى سلطنات المسلمين شرقاً وغرباً. وفي هذا ما فيه من إعزاز لمصر، وتقوية لمعنوياتها، وتنشيط لروحها.

غير أنهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً، وراشوا للروح القومية سهاماً قاتلة جديرة بالقضاء عليها، قمينة بأن تورث في النفوس ضعف الثقة بكفايتها، والارتياب بمواهبها، والشك في نباغتها.

لقد كان منهم الجافي الطبع الكثير الصلف، المتتابع الجور السريع إلى تقرير الضرائب الفادحة، العاجل إلى المصادرات الظالمة، المبالغ في فرض الغرامات المالية والعقوبات.

حقاً كان السلاطين والأمراء في طليعة ملوك الإسلام وأمرائه احتضاناً لشرعه، وتشجيعاً للعاملين على نشر سننه، واحتفاظاً ببلاده. ولقد احتضنوا الخلافة بعد زوالها من بغداد، فجددوا لها شباباً، وألقوا عليها ثياباً، وأنشئوها نشئاً آخر منذ عصر الظاهر بيبرس. وهي على علاتها قد جعلت القاهرة - فيما جعلها - رمزاً ومحوراً تطيف به قلوب المسلمين.

ولكننا لا ننسى أنهم كانوا يباينون أهل البلاد وعامة شعبها في اللغة والجنس، ولم يحاولوا السير خطوة واحدة في سبيل محو هذه الفوارق الأصلية الجوهرية، التي من شأن بقائها وطول قيامها أن تصيب الروح القومية في الصميم، وتعمل على هدم الكيان الوطني، والفرقة بين عناصر الأمة.

بل لا نغلو إذا قلنا إنهم بكثير من تصرفاتهم، وبألوان من فهمهم السقيم قد زادوا هذه الفرقة وعملوا على هذا الهدم.

ونقصر حديثنا هنا على ثلاثة عناصر ذات مساس مباشر بالنواحي المعنوية في النفوس،

<<  <  ج:
ص:  >  >>