للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مبعث الروح القومية الصحيحة، وهي ملكية الأراضي الزراعية، والجندية، والتعليم.

أما ملكية الأراضي الزراعية فقد حرموها على أهل البلاد، وقصروها على الطبقة الحاكمة، وهي المكونة من السلطان وأمرائه وجنودهم، ولعل لهم عذراً إذ وجدوا مثل هذا النظام الإقطاعي كان قائماً من قبلهم في عهد بني أيوب وغيرهم، وقد قسموها على أنفسهم، واتبعوا في تقسيمها أحد نظامين يسمى كل منهما (الروك) وهما الروك الحسامي نسبة إلى ملك مصر حسام الدين لاجين، والروك الناصري نسبة إلى ملك مصر الناصر محمد بن قلاوون.

والنظام الناصري هو الذي اتبع في أكثر أعوام العصر. ويتلخص في أن الأرض الزراعية تقسم إلى أربعة وعشرين قيراطاً. . للسلطان منها عشرة، وللأمراء والجنود أربعة عشر. ويختلف عنه النظام الحسامي في نسبة الأنصبة.

ثم قسمت الأراضي إلى قطع ذات مساحات مختلفة، كل منها يسمى إقطاعاً. يهب السلطان منها ما يشاء للأمراء والجنود في حدود النسبة المبينة المتفق عليها. والإقطاعات لا تورث بل ترد إلى السلطان بموت أصحابها. وكذلكيستردها السلطان إذا شاء لسبب من الأسباب، أو يستبدل بها غيرها.

وصاحب الإقطاع يستغل أرضه وينتفع بثمراته كما يشتهي وفق هواه، مستعيناً بمن يسكن في الإقطاع من الزراع.

ونحن لا نريد هنا أن نفيض في وصف تلك النظم الشائنة. وإنما همنا أن نشعر القارئ الكريم بما كان يعانيه المواطن المصري، وبخاصة الزراع؛ فقد حرم عليه أن يملك أرضاً ولد فيها جده وأبوه، وبنياته وبنوه، ووهب لها كل ما في قلبه من حب، وما في جسده من قوة. ثم هو لا ينتفع بشيء من غلاتها يتناسب وما يبذل في سبيله من جهد وكد وكفاح وعرق. فأية غضاضة ترين على نفسه وأية مرارة تفيض على فؤاده، وأي ضعف ينتاب روحه، وأي وهن يصيب معنوياته حينما يشعر بما يعانيه من حرمان وقسوة وشظف عيش. . .؟

لقد عرف الزارع حينذاك بأنه (فلاح). فقد قال المقريزي ما نصه: (ويسمى المزارع المقيم بالبلد (فلاحاً) قرارأً، فيصير عبداً قناً لمن أقطع تلك الناحية، إلا أنه لا يرجو قط أن يباع

<<  <  ج:
ص:  >  >>