للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا أن يعتق، بل هو قن ما بقي، ومن ولد له كذلك).

وقد لبث الفلاح المصري محروما ملكية أرض بلاده الزراعية والانتفاع الحر بثمراته، حتى صدرت لائحة الأراضي في عهد سعيد باشا، فأباحت له الامتلاك والانتفاع، لأول مرة.

أما الجندية والتعليم فقد سبق لنا أن أشرنا إليهما في بعض هذه المقالات. ولقد كان بالبلاد نوعان من التعليم: عسكري وشعبي. أما التعليم العسكري فقد كان مقصوراً على طائفة المماليك دون سواها لكي تتكون منها جنود الدولة والطبقة الحاكمة من أمراء وسلطان. وكان المدد التقليدي لها، المماليك الجدد الطارئين على البلاد أرقاء من الأسواق الخارجية. ولا يسمح لأي فرد من أفراد الشعب بالانتظام في سلك الجندية، ولا أن يتعلم في طبقاتها. كأن المهارة العسكرية وقف على طائفة المماليك دون سواهم، وموهبة خاصة خلقتها العناية فيهم. وفي هذا ما فيه من إضعاف للروح القومية، وقتل للثقة بالنفس، فكنت ترى الشعب وكأنما استقر في أفئدة أبنائه أنهم لا يصلحون لحرب أو ضرب، وأنهم غير أكفاء للدفاع عن أنفسهم ووطنهم.

غير أن من الإنصاف أن نذكر أن الوطني المصري الصميم لم ينعم بالانتظام في مسلكالجندية ببلاده منذ زمن بعيد جداً، قد يصل إلى ما قبل العهد الروماني، ولم يرد إليه هذا الحق الطبيعي إلا منذ النهضة الحديثة في عهد محمد علي.

أما التعليم الشعبي فكان في جماع أمره دينياً ومكانه المساجد وما شابهها من دور التعليم. وقد أغدق عليه السلاطين إغداقاً محموداً وعنوا به عناية مذكورةمشكورة، وكذلك فعل الأمراء والرؤساء.

وقد وجد الشعب في هذا الضرب من الثقافة شيئاً يعوضه ما حرمه من التعليم العسكري، فكان فيه متنفس لمواهب أبنائه. ومن حسن الحظ أن طائفة المماليك لم تشارك الشعب في الأخذ من هذه الثقافة بنصيب إلا لماماً لماماً - وقد يكون هذا من سوء الحظ كذلك - فاتسع نطاق العمل أمام أبنائه الذين يتخرجون في هذا التعليم الشعبي الديني، وسموهم المتعممين، ووكلت إليهم مناصب القضاء الشرعي، والكتابة، وما إليهما من الأعمال.

وأهم ما يشوب هذا الضرب التعليمي أنه كان يقدم إلى الشعب صدقة عليه وإحساناً، لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>