للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونظرت إلى الحلاق وزبائنه أتبين ماذا كان يخالجهم شعور من المبالاة، فلم أصب في وجوههم إلا مثل ما يرى في الحيوانات من عدم المبالاة فيما تأتيه من أعمالها جميعاً على أعين الناس؛ وكأن هؤلاء الناس جلوس في دكان لا تقتحهم فيه الأعين!

وهممت أن أدور بمنظاري عن هذا المنظر الذي لست أدري لم وقفت إليه تلك اللحظة، وقد كنت أبداً أمر به مسرعاً، وإني لأضيق به أشد الضيق، وكأن الظروف أرادت أن تكيد لي أشد الكيد فلا تقلع عن العناد حتى في مثل هذا الموقف التافه؛ فهذا غريب مقبل ومعه سيدة وفي يده آلة تصوير، وإنه ليضحك ملء شدقيه كأنما يقع من الحلاق وزبائنه على بغية طالما تمناها.

وأعد الفرنجي آلته للتصوير، ولشد ما غاظني أن أرى الحلاقة ومن حوله يضحكون ضحكة البلهاء كأنما يفرحهم أن يأخذ (الخواجة) صورهم، وسمعت ذلك (الخواجة) يقول لصاحبته بالإنجليزية ما ترجمته: (انظري فسنحصل على صورة ظريفة لحلاقي القاهرة).

ودنوت منهما فسلمت وتكلفت الابتسام أولاً، ثم عبست وبالغت في العبوس لأعبر عن احتجاجي، وتكلمت في لهجة استخذى لها ذلك الغريب، وحار ماذا يقول؛ وأشارت إليه صاحبته فطوى آلة التصوير؛ وكأنما أملى عليه إحساسه بالغربة أمام احتجاجي الشديد أن يتلطف فاعتذر، ولكنه أعقب اعتذاره بقوله: (جميل منك أن تغضب لسمعة شعبك ولكن أجمل من ذلك أن تزيحوا عن الأعين ما يشوه هذه السمعة).

وجميل من الرجل قوله هذا لا شك عندي في ذلك؛ ولكن ما حيلتي وما أملك غير القرطاس والقلم؟

ليس يهمني من هذا المنظر وأشباهه ما عسى أن يقول عنا الأجانب من أجله فحسب، وإنما أراه على ذلك شيئاً تتأذى به العيون وتشمئز منه النفوس. ولئن لم تقع عليه وعلى أمثاله أعين غير أعيننا، ففيه مما يشعرنا بالضعة والهمجية.

(عين)

<<  <  ج:
ص:  >  >>