للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتبدل المنظر فأرى حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وقد خطبها رجل عبشمي من أهل الشام، فلما أزداد أن يرتحل بها وحف بهما الناس يودعونهما سمعت رجلا يغني بشعر أبي قطيفة:

لا ليت شعري هل تغير بعدنا ... جنوب المصلى أم كعهدي القرائن

وهل ادؤر حول البلاط عوامر ... من الحيّ أم هل بالمدينة ساكن

إذا برقت نحو الحجاز سحابة ... دعا الشوق منى برقها المتطامن

ولم أتركنها رغبة عن بلادها ... ولكنه ما قدر الله كائن

فتسقط وقد أغمي عليها، فيعالجونها كيما تفيق، فإذا أفاقت سمعته يغني:

ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ... قباء وهل زال العقيق وحاضره

وهل برحت بطحاء قبر محمد ... أرهط غرّ من قريش تباركه

لهم منتهى حبي وصفو مودتي ... ومحض الهوى مني وللناس سائره

فتغشت بين النساء وسقطت ميتة. . . . . .

. . . واضطربت الصورة وتضاءلت، ثم توارت واختفت، وإذا صفحة الماء بيضاء ليس فيها صورة، وإذا المجد والجلال، والعطر والنور، وإذا الدور والقصور، والأنس والحبور؛ كل أولئك قد غطى عليه الفناء، وابتلعه هذا السيل الدفاع، ثم عاد يجري بين الآكام الجرداء، وله خرخرة وله دردرة. . .

وإذا كل ما بقي من هذه الدنيا الواسعة، قهوة قامت على جذوع النخل، وبئر نصبت عليه سانية، وجماعة قد تحلقوا يشربون الشاي، ويطربون، وما بهم لو حققت من طرب؛ وإذا قصر سعيد أنقاض ماثلة، وإذا سائر القصور تلال من الرمل الأحمر. . . . .

وإذا المجد والجلالة والجا - هـ كما يطرس السطورَ البنان!

دمشق

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>