ولكن عندنا ما يدرك أن العرب قوم ليسوا كالأقوام وأناس ليسوا كالأناسي، وأنهم قد طلقوا الدنيا فلا يرضيهم منها إلا شظف العيش وضيق الحياة، وأنهم يتمنون لقاء الروم الذين يوشكون أن ينقضوا عليهم ليظفروا بالشهادة إن غلبوا أو ليعلوا منار الإسلام إن غلبوا، عندما يدرك ذلك تغلب عليه نزعة الخوف والرهبة، وينصح لأصحابه أن يسلموا البلاد للعرب ويدفعوا الجزية
ولكن أصحاب المقوقس كانوا قوماً لا يرضون الخروج من دين ابن مريم إلى دين لا يعرفونه، ولا تطيب نفوسهم بأن يذلوا ويهونوا، ولا يرون إلا القتال سبيلاً لهم. لذلك رفضوا نصح المقوقس وعادوا إلى القتال
هذه هي الروح المسيطرة على الطرفين المتفاوضين. ولكنا لا نحب آن نختم البحث قبل أن نقول إنها الروح المسيطرة على العرب والروم؛ فقد كان المقوقس رومياً (بتلر، الملحقان ٣ و٧ من كتابه)، وكان أصحابه روماً. أما القبط فلم يكن لهم اشتراك في سياسة البلاد ومفاوضة الغزاة، فقد كان المقوقس (قيرس) لا يزال على عهده العدو الأكبر لمذهب القبط (بتلر ص٢٢٠، ٢٢١)