أن الأدفوي (صاحب الطالع السعيد) يؤكد براءته من تهمة دعوى الخلافة بدليل يمكن أن نعده قاطعاً. فقد ذكر أنه ذهب إلى اليمن داعياً للخليفة الحافظ، متلقباً بعلم المهتدين، حتى قال فيه بعض شعرائهم من قصيدة بعث بها إلى صاحب مصر:
بعثت لنا علم المهتدين (م) ولكنه علم (أسود)!
ثم قال: (وقد وقفت على محضر كتبه باليمن، فيه خط جماعة كثيرة، أنه لم يدع الخلافة، وأنه مواظب على الدعوة للخليفة، رأيت المحضر بأسوان)
ويذهب ابن خلكان في تعليل الغضب عليه واعتقاله مذهباً آخر - دون أن يشير إلى قصة ادعائه الخلافة - فيذكر أن الرشيد كان قد مدح جماعة من ملوك اليمن، منهم علي بن حاتم الهمداني الذي قال فيه:
لقد أجدبت أرض الصعيد وأقحطوا ... فلست أنال القحط في أرض قحطان
وقد كفلت لي (مأرب) بمآربي ... فلست على (أسوان) يوماً بأسوان
وأن جهلت حقي زعانف خندفِ ... فقد عرفت فضلى غطارف همْدانِ
قال: فحسده الداعي في عدن على ذلك، وكتب بالأبيات إلى صاحب مصر، فكانت سبب الغضب عليه
المهذب أخو الرشيد
كان من أسباب تعجيل العفو عن الرشيد ما سعى به أخوه المهذب (حسن بن الزبير) لدى الملك الصالح؛ وكان لديه أثيراً وبه مختصاً
والمهذب شاعر معروف، مجيد في نظمه وفي نثره. ذكره العماد الأصفهاني، فأجزل في الثناء عليه ثم قال: هو أشعر من الرشيد، والرشيد أعلم منه. ومن شعره قوله:
هْمُ نصبُ عيني أَنجدُوا أم غاروا ... ومُنى فؤادي أَنصَفوا أو جاروا
وهموا مكان السِّر من قلبي وإنْ ... بعُدتْ نوى بهمو وشطَّ مزارُ
تركوا المنازل والديار، فما لهم ... إلا القلوبَ منازلٌ وديار
واستوطنوا البيد القفار فأصبحت ... منهم ديار الأنس وهي قفارُ
وله أيضاً هذا البيت الذي يستشهد به علماء المعاني كثيراً، في باب الإطناب:
ومالي إلى ماءٍ سوى النيل غُلةٌ ... ولو أنهُ - أستغفُر الَله - زمزمُ