وهو من قصيدة يمدح بها كنز الدولة ابن متوج أولها:
بأيِّ بلادٍ غيرِ أرضي أخيمُ ... وأيَّ أناسٍ غيرَ أهلي أيِّممُ
ومن أشهر شعر المهذب قصيدة له تسمي (النواحة) كتب بها إلى داعي اليمن يمدحه ويستعطفه على أخيه، ويقول فيها:
يا ربعُ أين ترى الأحبة يَّمموا؟ ... هل أنجدُوا من بعدنا أم أتهموا؟
رحلوا وقد لاح الصباح وإنما ... يسرى إذا جُنَّ الظلامُ الأنْجمُ
وتعوضت بالأنس روحي وحشةً ... لا أوحش لله المنازل منهمو!
لولا همو ما قمتُ بين ديارهْم ... حيرانَ أستافُ التراب وألثِم
وقد أجاب الرشيد على هذه القصيدة بميمية من وزنها قال فيها:
رحلوا فلا خلتِ المنازلُ منهمو ... ونأوْا فلا سلتِ الجوانحُ عنهمو
وسرَوْا - وقد كتموا الغداةَ مسيرهم - ... وضياء نور الشمس ما لا يُكتَم
وتبدَّلوا أرضَ العقيق عن الحمي ... روَّت جفوني أيَّ أرض يمموا!
ما ضرهم لو ودَّعوا من أودعوا ... نار الغرام، وسلَّموا من أسلموا
هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا ... أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهَموا
في غمرة السياسة
خرج الرشيد من معتقله موفور الكرامة، ممتلئ النفس بالآمال الجسم؛ وقد انتقل بعد حين إلى القاهرة فاحتل مكانه موموقة بين أدبائها.
وكانت أبواب المناصب أمامه مفتوحة، وسبله إليها معبدة. ولكن همته كانت أبعد من أن تفق من ذلك عند غاية، وقد اختير في عام ٥٥٩ هـ ناظراً على الدواوين السلطانية في ثغر الإسكندرية، فكان ذلك على كره شديد منه؛ ولعله كان أشد اهتماما وقتئذ بما جرى في مصر من أحداث سياسية، اجتذبه تيارها - بعد حين - فخض غمرتها في جرأة وطموح كفاه حياته
وتفصيل ذلك أن أبا شجاع شاور بن مجير - وكان والياً على الصعيد الأعلى - قصد القاهرة بعد مقتل الملك الصالح عام ٥٥٦ هـ وتمكن من قتل العادل وزير الخليفة العاضد (آخر خلفاء الفاطميين)، واحتلال مكانه من الوزارة. ثم لم يلبث أن خرج عليه أبو الأشبال