والمفهومات المعروفة. وفي إمكاننا أن نسوق الدليل بعد الدليل نؤيد به ما ذهبنا إليه؛ فالأدلة كثيرة والشواهد متنوعة. ومن قبيل ذلك ما يؤثر عل العلامة ج. ج. روبرتسن أحد نقاد الأدب الإنجليزي المعاصرين. ففي ١٩٢٣ اصدر سفرا قيما يتسم بسعة العلم وغزارة المادة أطلق عليه دراسات في أصول النظرية الرومانتيكية في القرن الثامن عشر في إنجلترا انتهى فيه إلى القول بان الرومانتيكية في إنجلترا في القرن الثامن عشر لم تكن من نتاج الأدباء الإنجليز أو ابتكارهم بل هي مستمدة منقولة بجميع خصائصها وكافة سماتها عن لفيف صغير من النقاد الإيطاليين مغموري الاسم. وفي السنة ذاتها ظهر كتاب في بولونيا، للناقد الكبير جيسب كوفانن: نادى فيه بان نفس هذا اللفيف من النقاد الإيطاليين قد توارث الروح الكلاسيكية السائدة في عصر النهضة في إيطاليا.
ولم يكن النزاع بين الكلاسيكية والرومانتيكية في مبدأ الأمر سوى نزاع بين من ينتصرون للقديم، وبين من يتعصبون للجديد في الأدب، ثم ما لبث أن أستفحل الشقاق وأتسع الخلاف وأتسم بطابع الغلو والإسراف. فلم يرض أنصار الكلاسيكية بالقديم على قدمه، لأن بالقديم شيئا من شذوذ، وليس من سبيل إلى كلاسيكية قويمة، يحل فيها الشذوذ والاضطراب، محل الانسجام والائتلاف.
ولفظة رومانتيكي ابتداع لغوي حديث، ولكن ما توحي به في الذهن من معان معروف مشهور، حتى قبل أن تخرج هذه اللفظة إلى حيز الوجود بعهد طويل. والنعت (رومانتيكي) أبعد في القدم من الاسم رومانتيكية). وقد استعمل أول ما استعمل في إنجلترا بعد الفتح النورماندي في العصور الوسطى التي اشتهرت بانتشار القصص الشعبية الفرنسية وحظ الخيال المفرط والتأليف الخصيب في هذه القصص أرفع شأنا من حظ الوقائع المعقولة والحقائق المجردة. ذلك لأن هذه القصص تروي ضروبا من البطولة خارقة، وتحكي صنوفا من المغامرات فذة، وتتغنى بأشكال من البسالة والأقدام نادرة المثال؛ ومن ثم اشتقت لفظة رومانتيكي دلالتها من كل ما هو خارق فذ بعيد عن حياة الواقع. واستعملها الكتاب في هذا المعنى أو فما يمت لهذا المعنى بصلة قريبة وثيقة. ولنضرب مثلا في ما جاء في سنة ١٦٥٤ في مفكرة ايفلين أحد رجال البلاط الإنكليزي المغرمين بمراقبة التطورات التاريخية وتسجيل الأحداث الشاذة المعاصرة لعهده (يوجد بالجانب الآخر من جبل الألب