صاحبه ولا سيما وفاءه وذكاءه ومرحه وتألم أن كان بعيداً عن وطنه في غير ضرورة ملجئة فلم ير نهاية صديقه. وأشار ملتن في هذه المدينة إلى أنه سوف يجد العزاء في الشعر فيكتب إلياذة عن تاريخ قومه وأساطيرهم جاعلا الملك أرثر وفرسانه أبطال ملحمته متخذاً اللغة الإنجليزية أداته؛ ولكن هذه الملحمة التي وعد بها ظلت مجرد وعد فقد صرفته عنها شواغل السياسة والدين كما صرفته عن الشعر جميعاً اللهم إلا بضع مقطوعات قصيرة زهاء عشرين عاماً. . .
وكما أطلق ملتن على إدوارد كنج اسم ليسيداس أطلق هنا على ديوداتي اسم دامون؛ وكان دامون من مشاهير الفلاسفة ورجال الموسيقى بأثينا، وكان صديقاً وأستاذاً ابركليس؛ وقيل إنه كان كذلك أستاذاً لسقراط، وكان مضرب المثل في الوفاء، فقد اقترف أحد أصحابه جريمة كان قصاصها القتل، وعول ملك سيراكوز على قتله فاستأذنه أن ينصرف ليقوم على بعض شؤون أسرته ثم يعود لينفذ فيه القصاص. وتقدم دامون فرضي أن يكون رهينة عند الملك ليقتله بدل صاحبه إن لم يعد في موعده؛ وحل الموعد وهم الملك بقتل دامون فجاء صاحبه معجلا فأنقذه؛ وأثر وفاء الرجلين في نفس الملك فعدل عن قصاصه وطاب إليهما أن يكون ثالثهما في هذه الصحبة الوثيقة.
ونجد في اختيار ملتن هذه الاسم لصاحبه شاهداً من شواهد فنه، فهو يلمح كما ذكرنا من قبل إلى المعنى الواسع بالكلمة الواحدة. . .
واختتم ملتن مرثيته بإشارته إلى موت صاحبه ولم يتزوج، فذكر الحب وقال إن من حق الشباب أن يحب، وأن الذي يذوق طعم الحب وقد تقدمت به السن يذوق طعم الحسرة مضاعفا؛ ثم يبشر صاحبه بأنه سيلقى في الجنة خير العوض عما فاته في الدنيا فسيستمتع بزواج خالد في عرس بهيج من أعراس الفردوس.
ويجد بعض الكتاب في ذكره الحب وأنه من حق الشباب وفي تألمه على موت صاحبه ولم يتزوج تلميحا منه إلى حالته هو، وإن خفي هذا التلميح، ويقولون إن ملتن كان يفكر يومئذ في الزواج وإنه قد مل أن يعيش أعزب.
على أنه يعود إلى القراءة في إقبال لا يقل عن سالف إقباله عليها أثناء مقامه في هورتون؛ وقد اتخذ له بعد أوبته من إيطاليا مسكنا في لندن فلم يعد إلى القرية. ورضى أبوه الشيخ أن